أستريد كريستوفرسون «سبارك نيوز» - بفضل برنامج «التبادل اللغوي» (سبيكينغ إكسشينج) الذي تعتمده إحدى مدارس اللغات في البرازيل، يستطيع طلاب من ساو باولو الدردشة عن شتّى الأمور عبر الإنترنت مع متقاعدين في إيلينوي، بدءاً بحياتهم العائليّة، ومروراً بأدقّ المسائل الهندسيّة. ولا تقتصر فوائد هذه التجربة على تحسين اللغة الإنكليزية لدى الطلاب، فهي تسمح أيضاً باستحداث صداقات بين مسنّين أميركيين وشبّان من أميركا الجنوبيّة. قبل مشاركته في برنامج «التبادل اللغوي» في مدرسة اللغات التي يقصدها، سبق لطالب الهندسة البرازيلي مارسيلو أكيميتسو أويا أن تحدّث الإنكليزيّة مع أشخاص يعتبرونها لغتهم الأم. لكنّ هذا التبادل اللغوي، خلال زيارتين عائليتين إلى الولاياتالمتحدة، لم يتعدّ كلمتي نعم ولا في معظم الأحيان. وبالتالي، لم يسبق له أن أجرى حديثاً فعلياً مع شخص نشأ على اللغة الإنكليزيّة – ناهيك عن مشاركته في حديث يتناول أدقّ مسائل هندسة الكهرباء مع أحد المهندسين المخضرمين. وبرنامج «التبادل اللغوي» هو فكرة أطلقتها شركة إعلانات عالميّة، ونفّذتها مدرسة لغات لها نحو 600 فرع في البرازيل. ويعمل البرنامج على استغلال التكنولوجيا لتقريب المسافات بين مجموعتين متباعدتين، إنما مصممتين للتقارب في ما بينهما على رغم المسافة التي تفرّقهما. وتضمّ المجموعة الأولى طلاّب لغة إنكليزية في ساو باولو، يتوقون لتعزيز المهارات الجديدة التي اكتسبوها، والمجموعة الثانية مسنّين في دار عجزة في إيلينوي، تحمّسهم فكرة كسر الروتين اليومي بدردشات مع شبّان مفعمين بالحياة. يتواصل الطرفان بمساعدة برنامج مسجّل الملكية شبيه ب «سكايب»، يسمح للمتحادثين برؤية بعضهم البعض، ويقترح عليهم مواضيع مختلفة في حال ساد الصمت في سياق الكلام. بيد أنّ أحداً لا يهتمّ لهذه الاقتراحات، بحسب ما أكّد الطلاب والمتقاعدون على حدّ سواء. «نتحدث عن حياتنا، وعائلاتنا، وروتيننا اليومي، وآمالنا، وأحلامنا»، وفقاً لما قاله أويا، وهو طالب هندسة عمره 22 سنة، يأخذ دروساً في اللغة الإنكليزية مرتين في الأسبوع منذ سنة ونصف السنة، بهدف اكتساب مهارات تعطيه أفضليّة للتدرّج في مجال الهندسة. وهو أكّد قائلاً: «إنّه تواصل رائع، رائع فعلاً». على رغم الأضواء المسلَّطة على البرازيل مؤخراً خلال مباريات كأس العالم في كرة القدم، تبقى البلاد شديدة الانعزال عن العالم الخارجي، فتراها دولةً عملاقة لغتها البرتغالية، في محيط مجموعة دول ناطقة بالإسبانيّة، وتُعتَبر وجهة سفر غريبة لا يقصدها إلا أشجع الشجعان. وفي أرجاء كثيرة من هذه الدولة التي تحاكي القارّة من حيث الحجم، يكفي أن يسير أجنبي في الشارع ليلفت الأنظار، ويبدأ الأولاد من حوله بالضحك وبتصويب الأصابع إليه. ويندر البرازيليون الذين يتقنون أي لغة أجنبية، ولغتهم الإنكليزيّة تتراوح عادةً ما بين المعدومة والركيكة، حتى في أوساط موظفي الفنادق الراقية. أكّدت لوسيانا فورتونا، مديرة التسويق في شركة الإعلانات، أنّ التواصل مع أميركيين حقيقيين هو فرصة نادرة بنظر معظم طلاّب مدرسة «سي أن إيه» للّغات، التي تطبّق برنامج «التبادل اللغوي». وأفادت فورتوننا في هذا الصدد: «يأتي معظم طلابنا من الطبقة المتوسطة الناشئة، وهم أشخاص لم يتسنّ لهم السفر إلى خارج البرازيل، وفي أحيان كثيرة، لم يسبق أن تحدّثوا إلى أيّ أجنبي. وقد لا يبدو الأمر كذلك من النظرة الأولى، إلاّ أنّ برنامج «التبادل اللغوي» يمنح الطلاب فرصة الاطلاع على الثقافة، والتعلّم، والسفر». وأكّدت برنيس كلينغ المشاركة في البرنامج أنّ المقيمين في دور العجزة في ويندسور بارك، بمنطقة شيكاغو، باتوا يملكون منفذاً إلى العالم الخارجي. وقالت كلينغ البالغ عمرها 87 سنة، وهي مديرة متقاعدة لأحد فروع البنك التعاوني الاتحادي، عاشت طوال حياتها ضمن مسافة 80 كيلومتراً من مسقط رأسها ميلروز بارك في إيلينوي، «لم يسبق أن زرت البرازيل، مع أنّني لطالما أردت ذلك. والآن زادت رغبتي في زيارة هذه الدولة – فالطلاب أخبروني أموراً شيّقة كثيرة عنها». تتلقّى كلينغ زيارات كثيرة من أولادها وأحفادها، وبالتالي، ليست أبداً نموذجاً عن المسنين الذين يعانون الوحدة في دور العجزة. ولكنها كانت من رأي مسؤولي مدرسة «سي أن إيه»، بأن برنامج «التبادل اللغوي» يعطي فرصة بالتواصل الاجتماعي، تكون بالغة الأهمية بنظر بعض المسنّين الأكثر عزلةً في دار العجزة. وقالت وهي تضحك، «كم يفرح الطلاب لمجرّد السؤال عن كل الأمور التي تخطر في بالهم. وبرأيي، لغتهم الإنكليزية جيدة فعلاً، فقد فهمتهم بشكل ممتاز، وإن كان بينهم من يشعر ببعض التوتر». وفي هذا الصدد، أكّد طالب الهندسة أويا، الذي يعتَبر لغته الإنكليزية متوسطة، أنّه شعر «بتوتّر شديد» في أولى الدردشات الثلاث التي أجراها مع ثلاثة متقاعدين. وقال في هذا الصدد، «بعد نحو ثلاث دقائق، بدأ التوتر يزول، ورحت أتحدّث بطلاقة أكبر. وفي حال تخلّلَت الحديث لحظات صمت، ساعدني الشخص الآخر على إيجاد الكلمة التي أبحث عنها، وهذا لطيف». وما فاجأه هو أنّ أهمّ حاجز أمام الفهم لم يكن لهجته البرتغالية البرازيلية الصادرة من الأنف، بل أكثر خلل تقني – بسبب رداءة الاتصال بشبكة الإنترنت، في أعقاب عاصفة برَد ضربت ساو باولو قبَيل بداية حديثه مع مهندس الكهرباء المتقاعد. تُعتَبر الدردشات اختياريّة بالنسبة إلى طلاب مدرسة «سي أن إيه»، وهي من النشاطات الخارجة عن البرنامج الدراسي، ولا يتم احتسابها في التقييمات. لكنّ الأحاديث تُسَجَّل، ويراجعها الأساتذة مع الطلاب، ويقترحون عليهم أفكاراً ويقومون بتصحيحات. أكّدت فورتونا، من مدرسة «سي أن إيه»، أنّ طلبات المشاركة في برنامج «التبادل اللغوي» كبيرة لدى الطلاب والمتقاعدين على حدّ سواء. طوّرت البرنامج التجريبي شركة الإعلانات «أف سي بي»، وهو انطلق في آذار (مارس) 2014 في ثلاثة فروع لمدرسة اللغات المذكورة في ساو باولو، على أن يتّسع نطاقه، ليشمل أكثر من مئة فرع لها في أرجاء البرازيل بحلول نهاية العام. وقالت فورتونا إن البرنامج سيكون بمتناول جميع فروع مدرسة «سي أن إيه» في نهاية المطاف. وفي حال توسيع نطاق برنامج «التبادل اللغوي»، من المتوقّع أن يكون تأثيره هائلاً. وقالت فورتونا، «قد يرى طلابنا في اللغة الإنكليزيّة أداة ستحوّل مجرى حياتهم، وحياة الأشخاص المحيطين بهم. أما المتقاعدون، فسيجدون أشخاصاً يتحدّثون إليهم».