لم يكن يتخيل حتى أكثر المتشائمين براهن العراق اليوم، أن يصبح «مسرح بغداد» مكباً للنفايات، وهو الورشة التي احتضنت «فرقة المسرح الفني الحديث» في عروض لنحو عقدين، وشكلت عروضه ملامح الحداثة في المسرح العراقي المعاصر. وشهد المسرح أعمالاً شكلت علامات بارزة في الثقافة العراقية مثل: «النخلة والجيران» و «بغداد الأزل بين الجد والهزل» و «رحلة في الصحون الطائرة» و «غيفارا عاد» وغيرها من عشرات العروض التي شكلت منهلاً ثقافياً لأجيال من العراقيين، طبعه فنانون كبار مثل يوسف العاني، خليل شوقي، قاسم محمد، سامي عبدالحميد، جواد الأسدي، روميو يوسف، مقداد عبدالرضا، ازادوهي صاموئيل، فاضل خليل وغيرهم، بلمسات من الرقي الثقافي والانساني. وعلى موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» نشر أكرم القيسي أحدث صورة للمسرح العريق قائلاً: «هل حقاً هذا هو مسرح بغداد الذي احتضن أعرق فرقة مسرحية في العراق بعمالقتها الكبار؟ هل حقاً هنا وقف الكبير خليل شوقي وهو يمثل «الصديقان» مع الرائد المسرحي يوسف العاني، وهنا قدمت «رحلة في الصحون الطائرة» لقاسم محمد وسامي عبدالحميد»، متسائلاً «لماذا هذا الاهمال لمسارحنا ونحن على أبواب اعتبار بغداد عاصمة للثقافة العربية؟». محو الذاكرة ويعلق الكاتب والروائي حسين الموزاني: «الفقدان والخراب لا يشكلان سوى جزء من المشكلة، ولكن عدم الشعور بالمسؤولية تجاه ذلك هو أفظع بكثير، خصوصاً أن ثمة ذاكرة مشتركة تمحى بكلّ قسوة وخبث وتجاهل أيضاً. وكم أتذكر هذا المسرح الجميل بكل لحظاته وتفاصيله، وضحكات جمهوره، وحركات ممثليه. كان المسرح نابضاً بالحياة والحيوية، وموقعاً مهماً لتلاقي المبدعين والمثقفين، ومركزاً لاحتضان المواهب الشابة، لكنه اليوم بات خراباً». ويضيف: «هل تعلمون أن مشكلة المكان مادية؟ وهي بحسابات اليوم عبارة عن «ملاليم» لا أكثر؟ ولكن من يكترث»؟ في اشارة الى عجز الفرقة وروادها من احياء المكان، بسبب الايجارات المتراكمة التي يطالب بها مالك العقار. ويقول الممثل ماجد درندش: «حين تتحول المسارح الى أمكنة للقمامة، إقرأ على الشعب السلام». ويسرد ممثل ما تبقى من المكان في ذاكرته: «كنا نأتي الى المسرح وندخل مجاناً كوننا طلبة، أتذكر جيداً مسرحية «نفوس» للفنان يوسف العاني وسامي عبدالحميد، و «مسرحية بغداد الازل بين الجد والهزل»، بطولة عمالقة المسرح العراقي: خليل شوقي ويوسف العاني، ومسرحيات لا حصر لها. كم كنا نشعر بالسعادة لمشاهدة تلك الأعمال التي لن تتكرر في المستقبل القريب، خصوصاً بعدما بات الفن والابداع في العراق من المحرمات». في البناية التي أصبحت الآن مكباً للنفايات، وقفت على خشبة مسرحها الممثلة ناهدة الرماح وأصيبت بالعمى وهي تؤدي احد ادوارها، هذا الصرح الذي كان، عمل على تثقيف ذائقتنا الفنية. ويقول الفنان حكمت ناهي: «أعطني خبزاً ومسرحاً، أعطيك شعباً مثقفاً»، مستدركاً «سيمر هؤلاء الطارئون كما مر التتر وهولاكو... بغداد لن تكون الا مصدر اشعاع لكل العلوم والثقافات وهي عصية على الطغاة الرعاع... ولن تكون قندهار أبداً لأننا شعب حي لا يموت».