كنا نقص الحكايات ونبدأها ب «كان يا مكان، في سالف العصر والأوان، كان في...»، أمّا اليوم فنبدأ قصصنا ب «لو حصل وعُيّنت، ولو حصل وحصلت على المنصب...». حسناً جداً، وجلست على الكرسي، فماذا فعلت؟ هل غيّرت بالقدر الذي طالبت وأنت بعيد عن الكرسي؟ الشيء الذي أعيا الطبيب المداوي هو معرفة لِمَ يتغير المرء حين يصبح مسؤولاً؟ فليس من المعقول أن جميع المسؤولين كانوا غير صادقين في وعودهم وأمانيهم وهم بعدهم خالو الوفاض، كما أنه ليس من الوطنية التشكيك بوطنية المسؤول لأنه صار مسؤولاً، فالأكيد أن هناك فئة بعينها كانت تعني كل كلمة وفكرة ومبدأ آمنت به، فأين تبخّر إيمانها؟ أيكون أنه يتساقط كورق الخريف ويتزعّزع من مكانه مع كل برج نعبره في حياتنا! فتكون ما تكون بعدد أبراجك التي قطعت وبما أنت عليه قبل وبعد! على أية حال، كلما استغليت نفسك، جازفت باحترامها لك، وهذه مخاطرة مدمرة! فمن أين لك يقيناً أنك ستتجاوز ذكرى حقارتك التي كنت الشاهد عليها... شاهد سيلاحقك ويتلصص عليك ويذكرك بما تود أن تنسى. وعندما تخسر نفسك، ستكون خسارتك أكثر خيباتك غباء. فكم نتكبد بسبب طمعنا! أهل السياسة هم رجال في معظمهم، فهل الرجل فاسد بطبعه والصالح فيهم هو الاستثناء؟ وهل تكون المرأة أقل جرأة على الفساد لتفكيرها الفطري في النتائج؟ فماذا عن الرجل، ألا يفكر بالآتي؟ أم أن الإحجام في نظره يعد جبناً فيخوض معركته لا مبال؟ وهل من الرجولة الرعونة؟ ألا يكتسب شيئاً من دروس التجارب؟ فماذا عن مفهوم الرجولة في نظر الرجل؟ أم أن تسجيل المواقف لا يمر سوى بالاستعراض الكرتوني على النساء؟ على العموم، من النادر أن تصادف رجلاً لم يثبت رجولته بطفولة ناقصة، فالعادة أنه لا يحسن اختيار معاركه إلا ما ندر. تماماً كما أنه لا يحسن استعمال «ماكينة» عقله، فبماذا تجيب متناقضاً يرغب بالتطوير ولكنه ضد التغيير؟ ثم تلام المرأة على تفاهتها، مع أن كل امرأة سخيفة وراءها رجل أسخف، فنضج الرجل إلا ويؤثر في محيطه، فإن كان الجو مسطّحاً غير آمن، فابحث عن الرجل وأنت تعرف. الرجل مَنْ يحمل خيمته، فإن كان ضعيفاً حملها عنه الآخرون وطالبوا بالثمن، فهل يحمل خيمتك مثل ساعديك وإرادتك؟ فأين سواعد الرجال؟ فقديماً كانت تزرع وتعمِّر، أمّا اليوم ففي معظمها مشغولة بحمل الجوال والضرب على شاشات الكومبيوتر، غير شرب «الشيشة» طبعاً، وقد يكون هذا المنحى في مصلحة المجتهد المحِق. فمَنْ يعمل ويحّفر تاريخاً له مشرِّفاً ليس كما الجموع الممتطية صهوة كسلها وأحياناً جنونها الأحمق. غير أن الغيبوبة قد تمرّر على المستوى الفردي، ولا يكون الأمر نفسه على مستوى الجماعة، لأنها عندها تصبح بذخاً في استنزاف طاقات الوطن... بذخ لن يميّز بين بليد ومجتهد إن حلت لعنته. وفي مواجهة البلاء يتساوى الكل. صعب أن يعيش المرء عمراً قيد الإعداد، أو أن يمشي على تراب وطن مغمّى على نهضته بتصميم أهله. فكل مطلب الإنسان هو العدل والأمان، أمّا الفساد والضمير منتهي الصلاحية وأساليب «الفهلوة» الرخيصة والنفوس الوضيعة، هذه جميعها لا تصنع وطناً ولكن فندقاً بحقيبة جاهزة للسفر. فإن لم تهدِ الوطن عزاً على قياسه، فلا تغتلْه بخياناتك لاسمه، لأنك ستفاجأ عندها برصيدك الفقير لديه! والمرء يمضي ويترك تاريخه، والوطن يعيش ويبقى صموده. وكل عار يلفظه الوطن ويكشف عن صاحبه يوماً. فلمَ العفن ثم الرحيل؟ أم لا يكون منصب ولا جاه سوى بفجيعة وطنية وكثير من وهم الرجولة؟ الغريب والمحزن في آن، أن يموت من لا يكون معنياً ب «الخناقة»، ولكن حظه العاثر ساقه إلى المرور بالطريق نفسه، وهكذا يُظلم من لا يد له. ولا غرو! إنها سنة البلاء إذا نزل وعم! والسؤال: كيف تكون الوطنية كما تتصورها قناعتك؟ فكل منا ويقسم على وطنيته، حتى صار الوطن أشبه ما يكون بالمال! كل نطلبه وما أن يأتي حتى نتعود عليه ونحن إلى سابق شكوانا. ذلك أن الامتنان هو سر السعادة قبل المال وبعده. فهل نحن - وكسعوديين تحديداً- ممتنون للوطن؟ [email protected]