تشهد مقاطعة كيبك الفرنسية لأول مرة أوسع تحرك حكومي وشعبي ونقابي ومهني وإعلامي لرفض كل أشكال العنف ضد المرأة. ويأتي هذا التحرك في أعقاب ما كشفت عنه احتفالات اليوم العالمي في كيبك من تزايد وتيرة العنف ضد النساء بأشكاله كافة، الأسرية والمهنية والجسدية والمعنوية وغيرها. وتداركاً لاتساع دائرة العنف ضد المرأة، الذي أصبح قضية رأي عام في كيبك، نظّمت هيئات المجتمع المدني والحركات النسائية على مدى أسبوعين حملة مركزة تخللتها تظاهرات صاخبة وندوات ومحاضرات وزيارات للمراكز الإتنو-ثقافية، وحوارات مع المسؤولين وزعماء الأحزاب وغيرها من النشاطات التعبوية الهادفة لتوعية المرأة وتثقيفها وتحصينها من مظاهر العنف كافة. «تابو» الخوف تحت شعار «لنكسر تابو الخوف» الذي رفعته ألكسا كونرادي رئيسة اتحاد نساء كيبك، محدّدة عنوان المرحلة المقبلة في العام القادم، وجعله خريطة طريق للحدّ من تنامي العنف على مختلف مستوياته وتحويله من ظاهرة مرضية مقلقة إلى مجرّد استثناء في أدنى حدوده انطلق التحرك. وتتضمن هذه الخريطة تغيير الصورة النمطية للمرأة في المجتمع والدولة والعمل والمنزل والمدرسة وتحريرها من عقد الخوف والخنوع والدونية التي تتسبب بانتهاك آدميتها واستلاب حقوقها المدنية والاقتصادية والقضائية وتشجيعها على إبلاغ عن أي حالة عنف إلى وسائل الإعلام ودوائر الشرطة وإقامة الدعاوى أمام المحاكم. وقائع وشهادات من خلال متابعتها لحالات العنف في أوساط المجموعات الإتنو- ثقافية في مونتريال، تتحدث كونرادي عن معاناة العديد من النساء اللواتي يخضعن لإرادة الزوج وطاعته و «حقه في تأديبهن من دون أي اعتراض منهن». والأغرب من ذلك، كما تقول، اعتقادهن أن هذا النمط من العنف الأسري «عادي ومألوف ومتوارث وجزء من تقاليدهن وعاداتهن ومعتقداتهن». وفي السياق نفسه، تشير نانون موناستس، المسؤولة عن قسم الظلامات في «تجمع نساء كيبك» إلى أن كثيراً من النساء وبخاصة المسلمات منهن «يصبرن على معاناتهن ويتحملن أذية أزواجهن الجسدية والنفسية حفاظاً على وحدة العائلة ومستقبل الأطفال». وتلفت أيضاً إلى أن العديد من النساء في كيبك يتجرأن على أزواجهن ويبادلنهم العنف بعنف مماثل وصولاً إلى القتل أحياناً. وترى أن الحد من مظاهر العنف يرتبط بتعميم بمبدأ المساواة بين الجنسين في مختلف مجالات الحياة. أما المؤسسة الكندية للنساء في كيبك، فتشدّد على أن الاعتداءات والتحرشات الجنسية بالفتيات القاصرات هي الأكثر شيوعاً في أماكن العمل والمدارس لكنها تبقى غالباً داخل أسوارها المغلقة. وتشير إلى أن بعض جرائم الشرف التي تقع بين الحين والآخر في أوساط المهاجرين هي ظاهرة غريبة في المجتمع الكيبكي، وأخطر ما فيها أن قانون العقوبات الكندي لا يشتمل على أي نصوص قانونية للنظر في تلك الجرائم. إحصاءات وأرقام مذهلة وكشفت تقارير رسمية في كيبيك أن مجموع وقائع العنف ضد المرأة وصلت هذا العام إلى 19 ألفا و373 حالة، وأدت إلى مقتل 600 امرأة على يد الزوج أو الشريك أو الصديق، وتم تقديم 2500 طلب للمؤسسات المعنية بحماية المرأة ضد العنف الأسري، وأرغمت 40 ألف امرأة كيبيكية على الإقامة خارج منازلهن مع 25 ألفاً من أطفالهن وتحت رقابة الشرطة تجنباً للعنف الزوجي، كما ارتكبت أكثر من 220 ألف حالة اعتداء جنسي على نساء، بينهن حوالى 60 في المئة من الفتيات دون 18 سنة. وأشارت تلك التقارير إلى أن التعديات تكلف خزينة الدولة حوالى 3 بلايين دولار سنوياً لإنفاقها على خدمات طبية واجتماعية وقضائية وتعويضات عن الانقطاع القسري للعمل.