«على رغم ما انجزته المرأة من مكتسبات في مجالات مختلفة، يبدو أنها لا تزال ماضية في قلب المعادلة التقليدية بين الجنسين، وسحب البساط من تحت اقدام الرجال، واستلاب ما تبقى في حوزتهم من حقوق سواء داخل الحياة الزوجية أم خارجها، إلى درجة انها باتت «قاب قوسين او ادنى من اعلان دولة النساء»... هذا ما خلصت اليه أخيراً هيئات كندية تضم حقوقيين وكتاباً وإعلاميين وأكاديميين وغيرهم، رداً على ما روجته الحركة النسائية الكيبكية، في الذكرى الخامسة والسبعين لحصول المرأة على حق التصويت، مع اصرارها على انها ما زالت «المخلوق الأضعف» و «الضحية المضطهدة» التي لم تتحرر بعد من قيود الذكورية. مؤشرات كثيرة توقف عندها لفيف من الكتاب الكنديين الذين نددوا بما اسموه «تسلط» المرأة تارة و «استبدادها» تارة اخرى، وغيرهما من عبارات تتهم المرأة بأنها اصبحت «قوّامة» على الرجال في معظم الشؤون العائلية والمهنية وسواها. ففي قانون الزواج الكيبكي تتمتع المرأة بحصانة قانونية نادراً ما تنطبق على الرجل. وفي هذا الصدد، يتساءل الصحافي جورج دوبوي، في مقالة بعنوان «العدالة من اجل الرجال»: «لماذا تكون الأحكام الصادرة عن المحاكم الكيبكية عادة اكثر تساهلاً مع النساء دون الرجال؟ ولماذا يخرجن من الجرائم ذاتها بعقوبات أقل؟ ولماذا يعتبر الرجل مجرماً بمجرد الادعاء عليه من جانب زوجته او امرأة اخرى؟ ولماذ يغَرّم بالنفقات المالية القصوى على زوجته وأبنائه، ويخضع، إذا حصل على حق الأبوة، لاختبارات تربوية ونفسية وعقلية، في حين ان المرأة ليس عليها ان تثبت انها ام صالحة؟ ولماذا تحظى المرأة عند حدوث الانفصال او الطلاق بالدعم المالي والاجتماعي ويحرم الزوج منه؟ وهل طبيعة المرأة باتت مختلفة عن طبيعة الرجل؟ وما هي الصفات المثالية لكي تصبح ذات طبيعة «خيّرة»، في حين يتهم الرجل بأنه ذو طبيعة شريرة؟ أليس الإثنان على قدم المساواة كما تدّعي ادبيات المرأة؟ وفي حالات العنف الزوجي اصبحت المرأة اكثر تجرؤاً على مبادلة العنف الذكوري بعنف مماثل. فمقابل 600 ضحية من النساء «يسقط» 450 ضحية من الرجال والأسباب والأحكام التخفيفية غالباً ما تكون الى جانب المرأة. اما حالات الطلاق او الانفصال السائدة بين الأزواج، فيصفها الروائي الكيبكي جان بيار غانيون، مؤسس «جمعية الأزواج الجدد» بأنها اصبحت «صناعة مزدهرة في يد النساء»، اذ غالباً ما يكون قرار الانفصال او الطلاق بيدها وفي شكل استنسابي ايضاً. وهذا غيض من فيض الغضب الذكوري الذي يفضح «أكذوبة» المرأة المضطهدة ويتّهمها بتحويل الحركة النسوية الى ايديولوجيا ديماغوجية مبنية على كراهية الرجل، وبأنها باتت احدى السلطات القوية في المجتع الكيبكي، أشبه بلوبي نسائي شديد التأثير على من هم في موقع القرار، وبأن الحركة النسوية تحولت الى نظام أبوي على رغم ادعائها شجبه ومقاومته. واللافت ان بعض النساء أشد قساوة على بنات جنسهن من الرجال. وتقول الكاتبة والصحافية بربارا كاي ان المرأة اليوم «أصبحت اكثر تطرفاً وألقت ضرراً لا يوصف على الأسر والنظام القضائي وقوانين العمل والحريات الدستورية والعلاقة بين الرجل والمرأة». وهي ترى ان «التيار النسوي يتسلل الى الدولة شيئاً فشيئاً على كل المستويات، و يعمد، بين الحين والآخر، الى اصدار احصاءات وبيانات واستطلاعات ملفقة، وفي شكل ممنهج، والمستغرب انها تلقى آذاناً صاغية بين من هم في موقع السلطة». اما الكاتب جان كلود بوشر فيعتقد ان «المرأة التي حجّمت دور الرجل وبلغت هذا الكم من المكاسب، لم يعد ينقصها سوى اعلان دولة النساء»، لاسيما انها تمسك بقطاعات عريضة تكاد تكون حكراً عليها الى حد كبير، كهيمنتها على قطاع التعليم والصحة والخدمات السياحية والمصرفية والأعمال البيروقراطية، وتزايد ممثلاتها في البرلمان والحكومة، ووصولها الى رئاسة الأحزاب والدولة والسلطة التشريعية وغيرها من المناصب العليا التي لم تكن تحلم بها في السابق.