لا أعتقد أنها مرة ثانية بل عاشرة وبعدد ما أنت معنفة وتوجعت مستغفلة وتذمرت مطلقة أو مهجورة مهجورة، اعتدنا في ثقافتنا الإدارية أن نرجع جميع تحركاتنا الانقاذية إلى أسلوب رد الفعل، ونحن فقط نعمل بالحد الأدنى من الطاقة البشرية والفكرية والمادية، حتى إذا ما حلت كارثة أو حادثة أفجعت المجتمع وضجت بها وسائل الإعلام، تقاذف الجميع المسؤولية وأبعدها عن حياضه واكتفى بواجهة من المبررات والمسوغات فالفشل دائما لقيط بلا أب. ويبدو أن قضية فاطمة ستندرج في هذا النطاق، والسيدة فاطمة التي تعيش في جدة تعرضت لعنف زوجي جسدي متوحش أدى إلى رقودها الآن في مستشفى الملك فهد في جدة، بحسب ما نشرته بعض الصحف والمواقع الإلكترونية. وقضيتها ليست القضية الأولى من قضايا العنف الأسري، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، وسيبقى مسلسل العنف ضد النساء والأطفال والضعفاء والأجانب سلسلة تطوقنا ما لم يكن هناك تحرك رسمي فاعل ومدعوم بمؤازرة شعبية تكسر هذه الحلقة الفظيعة. هناك جوانب وتصورات معتمة في ثقافتنا تغذي العنف ضد الضعيف والمرأة معا وتؤدي إلى استمرارية هذه الظاهرة بلا انقطاع، فمثلا هناك تصور متأصل لدى البعض بأن المرأة مخلوق يولد بقصور خلقي في قيمته وكرامته الإنسانية فبالتالي هذه الدونية تجعل المرأة هدفا مستباحا لجميع المختلين والمضطربين وأصحاب العاهات النفسية. - تصور (المرأة الشيء) أو (المرأة المقتنى)، التي تلغي انسانيتها وإرادتها وتجعلها مرتهنة ومملوكة للوصي الذكر، ففي قضية المعنفة فاطمة مثلا، يستمر زوجها السكير في ايذائها طوال مراحل حياتهم المشتركة لأنه يضمن أنها أحد مقتنياته التي ستعود له في النهاية تحت ضغوط العائلة الكبرى أو لحماية أطفالها. - تصور ثقافي يجعل من المرأة المنقادة المستلبة والتي تستمرئ الإهانات وتستغرقها حالة من المازوشية والاستمتاع بالألم إلى الدرجة التي تصبح فيها مشلولة أو عاجزة عن التحرك ضد حالات التعذيب والإهانات سواء جسدية أو لفظية أو معنوية، تسمى في ثقافتنا (المرأة العاقل الصبور التي تحافظ على بيتها). وسوى ذلك هناك الكثير من التصورات المعتمة في الثقافة التي تغذي الكثير من المفاهيم السلبية والدونية ضد المرأة، وبالتالي تجعل منها في رتبة دنيا مستباحة بلا حول ولا قوة لدى من يمتلكون تصورات قاصرة ضد النساء. ومعالجة "الثقافي" عادة لا تتم عبر يوم وليلة أو عبر قرار فوقي، لكنها تحتاج إلى أجيال طويلة تتم من خلالها عملية استبدال وإحلال لتلك النظرة المستنقصة للنساء والتي تسمم الفضاء العام حولنا، ولكن خلال هذا لابد أن يكون هناك تحركات رسمية عاجلة لحقن الدماء والحفاظ على الأرواح، بالتالي ستظل النساء تطالب بلا كلل ب: - محاكم أسرية للأحوال الشخصية. - وزارة لشؤون المرأة. - مكاتب أسرية مختصة بالتعامل مع حالات العنف ليتم من خلالها التنسيق العاجل مع الجهات الأمنية للتدخل في أي لحظة. - دور إيواء رسمية للمعنفات حتى تحل مشاكلهن، ولا يضطررن للعودة لجحيمهن تحت ضغط الحاجة الاقتصادية. سيظل المجتمع المغلق على قانون العيب والتكتم والخوف يدفع لنا بالكثير من القضايا المشابهة، وستظل النساء مستباحات للعنف الجسدي والمعنوي واللفظي، ما لم يكن هنا تحرك سريع وإسعافي لتدارك هذه الكارثة الاجتماعية.