لا تزال المحادثات الجارية بين دولتي السودان وجنوب السودان في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا ترواح مكانها، بعدما تحفظت حكومة جنوب السودان عن «مصفوفة» طرحها الوسيط الافريقي ثابو مبيكي لحل الخلاف القائم في شأن تطبيق الترتيبات الأمنية، بينما وافق عليها الوفد السوداني. وذكرت مصادر قريبة من المحادثات أن وفد جنوب السودان المفاوض تحفظ عن تفاصيل مرتبطة بالمنطقة المنزوعة السلاح، بجانب فك الارتباط العسكري بين الجيش الجنوبي ومتمردي «الحركة الشعبية - الشمال». واعتبر خبراء في الآلية الأفريقية الرفيعة المستوى أن تحفظ الجنوب سيمثّل عقبة في طريق المفاوضات، لكنهم أكدوا أن الآلية بدأت في مناقشة التحفظ الجنوبي لتجاوز هذه العقبة. ونقلت وكالة «رويترز» بعد ظهر أمس عن كبير مفاوضي جنوب السودان أن محادثات أمن الحدود مع الخرطوم بلغت «طريقاً مسدوداً»، ما يثير احتمال تأزم يمكن أن يطيل أمد تعطل صادرات النفط ويدفع اقتصاد كلا البلدين إلى شفا الانهيار. وأضاف باقان أموم في مقابلة أن «المحادثات وصلت إلى طريق مسدود وأرى على نحو خاص أن هذه المحادثات انهارت لأن السودان اتخذ موقفاً استراتيجياً جديداً يعارض تطوير التعاون بين الدولتين». وكان فريق الوساطة الافريقية طرح مقترحات جديدة تهدف إلى إيجاد الثقة بين الطرفين واتخاذ خطوات تكفل اقامة المنطقة العازلة وضمان عدم مساعدة أو إيواء المتمردين السودانيين في جنوب السودان. وترفض الخرطوم بدء تصدير النفط الجنوبي عبر أراضيها قبل قطع علاقات الجنوب مع الحركات المسلحة التي تقول إن جوبا ما زالت تدعمها، وهو اتهام ينفيه الجنوبيون. وفي الشأن ذاته، كشف وفد صيني يزور الخرطوم أنه طرح «مقترحات عملية» لحل الخلاف بين دولتي السودان حول المسائل الأمنية، وقال إن أي توتر بين الجانبين من شأنه تهديد جهود بكين لتقريب مواقفهما. وأعلن نائب وزير دائرة العلاقات الخارجية للحزب الشيوعي الصيني الحاكم لي جينجيون الذي يزور الخرطوم على رأس وفد حزبي، تقديمه مقترحات لحسم الخلاف والإسراع فى إعادة تصدير النفط الجنوبي عبر الموانئ السودانية. إلا أنه امتنع عن كشف تفاصيلها. وقال في تصريحات صحافية عقب محادثات مع مسؤول العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر الوطني الحاكم إبراهيم غندور، إنه ناقش مع قيادات جنوبية قبيل وصوله إلى الخرطوم السبل التي تؤمن إقامة علاقات قوية بين البلدين، مشدداً على أن اجتماعاته في جوبا كانت إيجابية وستساهم في تعزيز العلاقات بين البلدين وحل الخلافات الحالية. وأوضح جينجيون أنهم ناقشوا استئناف ضخ النفط مع المسؤولين في الجنوب، وأنهم يأملون أن يتم ذلك في أقرب فرصة ممكنة خاصة وأن اقتصاد الخرطوموجوبا في حاجة إلى عائدات النفط المالية. أما غندور فصرّح بأنه أوضح للوفد الصيني موقف الحكومة السودانية من الخلافات التي تحول دون تطبيق اتفاق التعاون مع جوبا، مشيراً في الوقت ذاته إلى مقترحات تقدم بها حزبه لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي مع الجنوب. وفي جوبا (أ ف ب)، أعلنت السفارة الأميركية في جنوب السودان أن عنصراً في مكتب التحقيقات الفيديرالي (إف بي آي) سيصل إلى عاصمة جنوب السودان هذا الأسبوع للمساعدة في «التحقيق حول مقتل الصحافي والمدون والمحلل السياسي» دينغ شان أويوول. ويؤكد قريبون من الصحافي الذي كان يوقع باسم إيسايا إبراهام أنه اغتيل في كانون الأول (ديسمبر) الجاري بسبب مواقفه وخصوصاً دعوته إلى تحسين العلاقات مع الخرطوم بعد عقود من الحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه. في غضون ذلك، كتبت وكالة «فرانس برس» تحقيقاً من الخرطوم أشارت فيه إلى أن محطات المواصلات الرئيسية في العاصمة السودانية تخلو في أول ساعات المساء من الحافلات والباصات تاركة المئات في انتظار وسيلة نقل للعودة إلى منازلهم بعد يوم عمل طويل. ويعزو مشغلو الباصات الأزمة إلى تراجع قيمة العملة السودانية والتضخم، مما سبب ارتفاع أسعار قطع غيار السيارات. وأزمة المواصلات تُعتبر أحدث مؤشر على تراجع الاقتصاد السوداني الذي تقول مجموعة الأزمات الدولية إنه «على حافة الانهيار» بعدما فقد عائدات انتاج نفط دولة جنوب السودان العام الماضي. وقالت حنان جادين الموظفة التي تعمل في شركة بوسط الخرطوم ل «فرانس برس» إن «المجيء بالباص إلى وسط الخرطوم منذ آب (اغسطس) الماضي أصبح يشبه النضال». وأضافت أن الرحلة بين منزلها ومكان عملها تستغرق عادة نصف ساعة والآن عليها «الانتظار في محطة المواصلات ما بين ساعة ونصف الساعة إلى ساعتين حتى أجد وسيلة تقلني. وإجمالاً احتاج إلى حوالى اربع ساعات حتى أذهب لمكان عملي وأعود منه مع العلم انه لديّ أسرة عليّ رعايتها». أما أميرة أحمد الطالبة في احدى الجامعات السودانية فقالت: «الأوضاع زادت سوءاً خلال الاشهر القليلة الماضية مما جعلني لا استطيع استذكار دروسي بعد العودة للمنزل». وأضافت: «أقضي وقتاً طويلاً في محطة المواصلات». وقال موظف آخر يستخدم المواصلات العامة اسمه حسن عمر «المواصلات تزداد سوءاً يوماً بعد يوم». ويعزو سائقو المركبات الأزمة إلى ارتفاع اسعار قطع الغيار التي زادت من جراء ضعف قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار الأميركي. وقال عبدالحليم محمد سائق احدى الحافلات: «عندما تذهب السيارة للصيانة فإنها لا تعود للخدمة مرة أخرى لأن صاحبها لا يستطيع دفع قيمة قطع الغيار». من جهته يقول عبدالواحد عمر سائق إحدى الحافلات إن «الباصات قديمة وتحتاج إلى صيانة باستمرار ولكن أسعار قطع الغيار تزداد يوماً بعد يوم ويقول التجار إن ذلك بسبب ارتفاع قيمة الدولار، كما أن قطع الغيار الموجودة الآن في السوق ليست أصلية». وقالت نقابة مالكي الحافلات والباصات التي تمثل القطاع الخاص إن عدداً من مالكي الحافلات اختاروا أن يوقفوها عن العمل بدل أن يدفعوا قيمة قطع الغيار التي تضاعفت بنسبة 100 في المئة مقارنة بالعام الماضي. وقد زادت أسعار قطع السيارات والسلع الأخرى التي يستوردها السودان منذ أن فقدت البلاد أكبر مصدر للعملات الأجنبية بانفصال جنوب السودان عنه في تموز (يوليو) 2011 وذهاب 75 في المئة من انتاج النفط مع دولة جنوب السودان. ووفق تقارير حكومية فإن معدل التضخم بلغ خلال تشرين الثاني (نوفمبر) 46 في المئة وتراجعت قيمة الجنيه السوداني لتبلغ 6,75 للدولار الواحد مقارنة بحوالي اربع جنيهات للدولار قبل عام. وفي حزيران (يونيو) الماضي خفّضت الحكومة قيمة الجنيه السوداني ضمن اجراءات مواجهة فقدان عائدات النفط وزادت اسعار منتجات النفط بحوالى 50 في المئة بعد أن خفضت من دعمها وزادت الضرائب. وشهدت مختلف مناطق السودان تظاهرات ضد ارتفاع الاسعار في تموز (يوليو) الماضي مشابهة لما حدث في دول «الربيع العربي». كما طالب متظاهرون باسقاط نظام الرئيس السوداني عمر البشير الذي يمسك بمقاليد السلطة منذ 23 عاماً. ولكن الأمن السوداني أخمد هذه التظاهرات. ووصف صندوق النقد الدولي اصلاحات حزيران (يونيو) بأنها خطوة مهمة لاستقرار الاقتصاد وتحريره من الاعتماد على النفط. لكن محللاً اقتصادياً دولياً قال إن تطبيق رزمة الاصلاحات اعطى نتائج متفاوتة.