دخلت المفاوضات بين السلطات اليمنية وجماعة الحوثيين أمس مرحلة «الموت السريري» في ظل محاولات مكثّفة يبذلها مبعوث الأممالمتحدة جمال بنعمر لإنعاشها، أملاً بالتوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة المستفحلة ويوقف تصعيد المسلحين الحوثيين الذين يحاصرون صنعاء منذ نحو شهر، مطالبين بإسقاط الحكومة وإلغاء الزيادة في أسعار الوقود، وإشراك جماعتهم في القرار السياسي. في الوقت ذاته، تواصلت المواجهات بين الحوثيين وقوات حكومية مدعومة بمسلّحي القبائل الموالين لحزب «الإصلاح» (الإخوان المسلمين) في محافظة الجوف، بما فيها المناطق المشتركة مع محافظة مأرب المجاورة، وسط أنباء عن سقوط 20 قتيلاً وعشرات الجرحى من الجانبين. كما أدت مواجهات في منطقة «مفرق الجوف» (شمال شرقي صنعاء) أمس إلى إصابة الخطوط الرئيسة لنقل الطاقة الممتدة من محطة التوليد الغازية في مأرب، وذلك للمرة الثانية في أسبوع، ما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي عن العاصمة ومدن أخرى. وكثَّف بنعمر مشاوراته مع الأطراف السياسية اليمنية، والتقى أمس رئيس حزب «الإصلاح» محمد اليدومي، في سياق مساعيه التمهيدية لاستئناف المفاوضات التي أعلن الحوثيون انسحابهم منها الأحد، احتجاجاً على موقف سفراء الدول العشر الراعية للعملية الانتقالية. وكان السفراء دانوا في بيان مشترك تصعيد الجماعة، وحمّلوها مسؤولية التدهور الأمني في صنعاء ومحيطها، الأمر الذي اعتبره الحوثيون «تدخّلاً خارجياً أعاد المفاوضات إلى النقطة صفر». الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قال خلال استقباله مبعوث الحكومة البريطانية آلن دنكن أن «الجميع يتطلع إلى إنهاء الأزمة مع جماعة الحوثيين من أجل المضي قدماً في ترجمة مخرجات الحوار الوطني الشامل». وأعلن مجلس الشورى أنه يدعم مبادرة اللجنة الرئاسية الوطنية والتي كان تبنّاها هادي وغالبية القوى السياسية، ونصّت على تشكيل حكومة وحدة وطنية، يكون رئيسها «مستقلاً وخاضعاً لمعايير الكفاءة والنزاهة». وأرغم تسارع الأحداث وتصاعدها أمس حزب «المؤتمر الشعبي» الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، على تحديد موقف أكثر وضوحاً من الأزمة، بخاصة في ظل الاتهامات الموجّهة إليه بمساندة الحوثيين. وأكد الحزب في اجتماع لكبار قادته (اللجنة العامة) رأسه علي صالح، أنه يدعم «كل جهود هادي لإيجاد حل سلمي للأزمة»، مشيراً إلى التزامه «الوقوف إلى جانب الشرعية الدستورية وتنفيذ كل مهمات المرحلة الانتقالية الواردة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وقرارات مجلس الأمن ومخرجات الحوار الوطني». وفي حين جدد حزب علي صالح تأكيده أنه ينأى بنفسه عن أن يكون «طرفاً في الصراع بين حزب التجمع اليمني للإصلاح وجماعة أنصار الله (الحوثيين) أو الاصطفاف إلى جانب أي منهما ضد الآخر»، كشفت مصادر حزب التنظيم الوحدوي الناصري أنه قرر سحب ممثليه في الحكومة (حقيبة واحدة) بعدما انتهت مهلة حددها لتجد الأطراف السياسية حلاً للأزمة. وكانت مفاوضات الجولة الأولى بين السلطات وجماعة الحوثيين أوشكت على التوصل إلى اتفاق يلبّي مطالب الجماعة، وينزع فتيل توتر يهدّد بجر صنعاء إلى مواجهات دموية. وانهارت المفاوضات بسبب ما وُصِف بأنه «تعنت حوثي» في شأن تفاصيل الاتفاق وقضاياه الفرعية، إذ تشترط الجماعة تقليص صلاحيات الرئيس هادي وإعادة النظر في قرار توزيع المحافظات على الأقاليم، وتمكين الحوثيين من المشاركة في الأجهزة السيادية للدولة.