يبدو أنّ موضة البرامج التلفزيونيّة تشبه موضة الأزياء، حيث إن ما كان رائجاً قبل أعوام يمكن أن يعود في أية لحظة إلى الواجهة ليكون محطّ الأنظار، فتصلح فيه نظريّة «لا ترموا شيئاً حتى ولو صار قديماً جدّاً». تلك هي حال برامج الألعاب التي ظنّ كثيرون أنّها غابت إلى غير عودة، على رأسهم إحدى أشهر مقدمات هذا النوع من البرامج ميراي مزرعاني التي قالت في حديثٍ سابق إلى «الحياة» إنها لم تعد ترى نفسها في تقديم برامج الألعاب «لأنّ تلك الأخيرة صارت موضة قديمة». لكنّ الواقع على الشاشات يُظهر عكس ذلك، والدّليل هو أنّ أكثر من شاشة لبنانية أدخلت في شبكة برامجها الجديدة برنامج ألعاب أو حتى أكثر. محطة ال «إل بي سي» التي تربّعت طويلاً على عرش برامج الألعاب وبَنَت أمجاداً كبيرة بفضلها، خصوصاً في أيام الراحل رياض شرارة، اتجهت منذ أعوام نحو برامج تلفزيون الواقع أو برامج الغناء وأسقطت من حساباتها برامج الألعاب. لكنها منذ فترة، قررت أن تنفض الرماد عن اهتمامها ببرامج الألعاب وأن تعيد تلك الموضة إلى الواجهة. فظهر برنامج «شخصية أو غنّية» الذي تقدّمه جوزيان الزير. قناة «الجديد» قررت أن تستثمر طاقات المقدّمة دارين شاهين في شكلٍ أكبر وأن تستفيد من إطلالاتها المستحبّة على شاشتها فظهر برنامج «كبسة زر» الذي أعاد موضة الفتيات اللواتي يقفن على صندوق خشبي ليتراقصن وحدهن أو مع المُشاهِد في بيته من خلال الكاميرا، تلك الموضة التي لم تغب طويلاً عن أجواء برامج المنوّعات في شكلٍ عام. أين المعلومات؟ ويمكن محطة ال «أو تي في» أن تُعدَّ الأكثر نشاطاً في تقديم برامج الألعاب، فبعد أكثر من موسم ناجح من «لاقونا ع الساحة» تضيف هذه المحطة في شبكة برامجها الحالية برنامجين هما: «ستروبيا» الذي يقدّمه طارق سويد، و «فيل أور نو فيل» الذي يقدّمه وسام صبّاغ. هذه البرامج تندرج ضمن الأجواء نفسها التي تعمل على أساسها المحطة، فالتركيز الأول يأتي على الفكرة التي تجذب الانتباه من دون أن تحتاج إلى تكاليف مرهقة. اللافت في برامج الألعاب الحديثة هو غياب عنصر التثقيف والمعلومات العامة. هدف البرامج اليوم لم يعد يهتم، ولو قليلاً، بنقل المعرفة إلى المشاهد بحجة أنّ المواطن في لبنان وفي البلاد العربية في شكلٍ عام يعيش هموماً كثيرة ويحتاج إلى الترفيه لا إلى المعرفة. ولكن، يبدو أنّ فكرة مهمة تفوت المعنيين وهي أنّ المواطنين يحتاجون الآن أكثر من أي وقت مضى إلى المعرفة القادرة على مساعدتهم لتخطّي همومهم واجتياز الامتحانات المصيرية التي يمرّون بها. نعم، التلفزيون صار مجرّد أداة لقتل الوقت، وبرامج الألعاب هدفها التسلية، والتسلية لا أكثر! ولكن، يبقى سؤال أساسي: كيف نجح برنامج «مَن سيربح المليون»، على سبيل المثال لا الحصر، وكيف تقبّله المشاهدون؟ هل طالبوا به؟ قطعاً لا! هل قام معدّوه بإحصاء واكتشفوا أنّ المشاهدين يتوقون إلى برنامج مماثل؟ أيضاً لا! إنّ المُشاهدين في شكلٍ عام يشبهون طفلاً يتعلّم، وما تعلّم الطفل يحفظه ويتبنّاه. معدّو البرامج هم الأهل أو المعلّمون، هم يفرضون على المشاهد ماذا يشاهد، وليس صحيحاً أبداً أنّ «الجمهور عايز كده»، بل «الجمهور اعتاد على كده»! الجمهور لم يطلب يوماً كل تلك المسلسلات المكسيكية وبعدها التركية، ولم يبحث يوماً عن هذا الكم الهائل من البرامج الإخبارية والحوارية السياسية، ولم يقل مرّة إنّه لا يريد برنامج ألعاب تُضاف إليه المعلومات العامة أو المعرفة. فهل تعود موضة برامج المعرفة؟ يجب أن تعود!