بدأ الكلام على دمج قناتي «المستقبل» و «الإخبارية» منذ فترة، وكثُرَت الأقاويل والتوقعات والتكهنات أو حتّى التمنيّات حول هذا الموضوع الذي بقي في حال من «الترقّب الحذر». ذلك الترقّب الذي اعتاده اللبنانيون في الأعوام الأخيرة، إلى أن بدأت الاستقالات تتوالى وصارت البرامج تتوقّف، برنامج بعد آخر، فبدا كأنّ هذا الأمر هو الشعرة التي قصمت الظهر، فانتقل إلى العلن ما كان يدور سرّاً في النفوس أو همساً بين المعنيين. وبعدما قدّم عاملون في كواليس القناتين استقالاتهم، وصل الأمر إلى المقدّمين الذين هم في الواجهة، على الشاشة، فلاحظ المشاهدون أنّ بسّام برّاك مثلاً لم يعد يطل في نشرات الأخبار أو أنّ ماتيلدا فرج الله توقّفت عن تقديم برنامجها، ثمّ سمعوا أنّ الإعلامي زاهي وهبي يقدّم حلقاته الأخيرة من «خلّيك بالبيت» بعدما قدّم استقالته من التلفزيون. لا شك في أنّ قرار الدمج في حدّ ذاته قادر على إحداث بلبلة في نفوس العاملين في القناتين، بخاصة في القناة الإخبارية، لأنّ الكلام يكثر حول توقّف عدد كبير من موظفيها عن العمل، فكيف الحال إذا كان كل شيء لا يزال مبهماً وكل ما يتردد من أقوال هو احتمالات غير أكيدة؟ «الحياة» تحدّثت إلى إعلاميين غادروا المحطة وإلى آخرين ما زالوا يتابعون حياتهم المهنية في الانتظار... انتظار ماذا؟ قرار واضح! دون إنذار السبب الأول لانتقال بسّام برّاك من محطة ال «أل بي سي» إلى «الإخبارية» كان تقديم برنامج خاص به، كما يقول، فتقديم الأخبار كان يُفترض أن يكون في الدرجة الثانية ليكون البرنامج هو الأساس، لكنّ برنامجه «خبرة عمر» الذي عاش سنة وشهرين على الشاشة توقف فجأة. «قُطِع رأسه من دون سابق إنذار» يقول برّاك ويضيف: «كنّا نتحضّر للذهاب إلى تصوير حلقة مع الفنان رفيق علي أحمد وإذا بأحد العاملين معنا، وليس أحد المسؤولين في المحطة، يعلمني أنّ البرنامج توّقف». حين استفسر بسّام عن الموضوع فوجئ بالرد الذي لم يشرح شيئاً ممّا انتظره، إذ لم تكن هناك أية ملاحظة ولا أي انزعاج أو تعليق سلبي، فكان كل ما في الأمر: «ليس من الضروري أن يبقى برنامج ما أكثر من سنة على الهواء». منذ تلك اللحظة أعلن بسّام رغبته في الرحيل، لكن قراره الفعلي اتّخذه بعد سنة. لماذا انتظر كل هذا الوقت؟ يجيب: «لأنني لا أحب أن أسير كخبط عشواء وأفضّل أن تتم كل الأمور بهدوء، بخاصّة أنّه في تلك الفترة كان الجميع يعلم أنني سأترك المحطة». يؤكّد برّاك أنّه قدّم استقالته ورحل بهدوء من دون شجار، ويشدد على أنّ رحيله لم يكن بسبب المال بل لاعتبارات المهنة. ينصرف برّاك الآن إلى تقديم دورات للمذيعين، وإلى الكتابة في مجلة «المسيرة»، وتلقّى عرضاً من «إذاعة لبنان» لتقديم برنامج، كما تلقى اتصالاً من محطة «أل بي سي» لتقديم حلقة خاصة عن تطويب البابا يوحنا بولس الثاني، لكنّ هذين العرضين لم يصلا بعد إلى صيغة نهائية. عجز مالي ماتيلدا فرج الله التي تحدثت إلى «الحياة» عشية بدء بث برنامجها «نبض» على «اخبار المستقبل» بدت حينها متحمّسة، أمّا اليوم فأول ما تقوله عن تجربتها في المحطة: «البرنامج لم يأخذ حقّه كما يجب لأنّه لم يُعطَ الاهتمام اللازم للظهور، وعلى رغم ذلك تمكّن من أن يحجز لنفسه مكانة خاصّة على الشاشة». وتشير إلى أنّها حين صارت داخل المحطة أدركت عمق المشاكل التي تتخبّط فيها القناة، ولدى سؤالها هل كانت تجهل ذلك الواقع، تجيب: «لا بدّ من الإشارة إلى نقطة مهمة هي أنّ أحداً لم يحاول خداعي أو تظهير صورة مشرقة عن وضع المحطة، لقد دخلت إليها بإرادتي، لكن ما اكتشفته أنّ مشاكلها ليست بسيطة تتعلّق بالتفاصيل، بل مشاكل وجودية تتعلّق باستمرارية المحطة وبشكلها وصيغتها، بالتالي من الطبيعي أن يكون موضوع الاهتمام بالبرامج ثانوياً أمام الأمور الأخرى». وعلى رغم كل الظروف دخلت ماتيلدا برنامجها باندفاع، «لكنّ الاندفاع وحده لا يستطيع النهوض ببرنامج» تقول، وتضيف: «يجب أن يعرف الناس أنني لم أختر بنفسي وقف البرنامج بل فُرِض الأمر عليّ، فالشركة المُنتِجة firehorse وضعت المحطة أمام الأمر الواقع، إذ خيّرتها بين أن تدفع لها حقوقها المالية الكبيرة التي تراكمت، وبين أن تتوقّف عن إنتاج حلقات جديدة لأنها لم تعد مستعدة للعمل من دون مقابل، ما أدّى إلى توقّف البرنامج قبل غيره». غموض في المقابل تعتبر بولا يعقوبيان أنّ «اخبار المستقبل» «استطاعت في فترة قصيرة أن تصل إلى مكانة مهمة، على رغم كل ما تعرّضت له وعلى رغم المقاطعة التي تواجهها من كثيرين». وتصف تجربتها في المحطة بأنّها «جيّدة وأعرف أنّه كان بالإمكان تقديم نتيجة أفضل، والعمل في سقف أعلى، ولكن يجب ألا نتغاضى عن واقع أنّنا استطعنا الوصول إلى نسبة لا بأس بها من الجمهور، بخاصّة أن المحطة تتوجّه إلى النخبة لا الى الجمهور العريض الذي يسعى الى الترفيه». وعن الأجواء التي أثارها قرار الدمج، تقول بولا إنّها تلاحظ الضغط الذي يعيشه الموظفون في القناة بسبب الغموض، وحين نلاحظ أنّ صوتها يبدو مرتاحاً وكأنّها غير مهتمة بالنتيجة، تستدرك: «كلّنا نعلم أنّ لا مجال لأن يبقى الجميع في المحطة، لذلك لا بد من تقبّل أي قرار، لكنّني أرغب في معرفة المعايير التي ستُعتَمَد لاختيار بقاء برنامج ما وإنهاء آخر». تقترح يعقوبيان أن تحدد هوية المحطة الجديدة ليستند العمل إليها، وتتابع: «إن كانت الهوية إخبارية، فكل البرامج في قناة «الإخبارية» يجب أن تبقى، أمّا إذا كانت ترفيهية فبرامج كثيرة ستغيب، وفي هذه الحال لا أعرف إلى أي درجة سيجد المشاهد حاجة إلى متابعة محطة جديدة تقدّم الفن والأغاني في زحمة محطات مشابهة». ولكن ألا ينطبق الأمر على القنوات الإخبارية، تجيب: «إذا أراد فريق المستقبل أن يعبّر عن وجهة نظره، عليه إبقاء قناة تحفظ موقعه في الساحة، أمّا إذا كان الهدف خفض صرف المال فليذهب المعنيون بالأمر إلى نهايته وليقفلوا المحطتين!». في عالم آخر زافين قيومجيان يبدو في عالم آخر في محطة «المستقبل»، فهل السبب أنّه يعتبر نفسه «غير مهدد» باعتبار أنّ برنامجه لا منافس لبرنامجه في القناتين؟ يقول: «موضوع الدمج لا يعنيني، فطالما أنّ برنامجي يظهر على الهواء، أعمل بروحية أنّني موجود في أكثر المحطات أماناً واستقراراً كي أستطيع الفصل بين زافين الموظّف وزافين الإعلامي، فلا يؤثّر ضغط الأول في عطاء الثاني وطاقاته الإنتاجية والمهنية». ويشير إلى أنّه يتعمّد عدم متابعة ما يجري وعدم قراءة المقالات التي تُكتَب عن هذا الموضوع، «لا أسمح لنفسي بقراءة كلام من أشخاص يهتمون إن كنت قبضت راتبي أو لا، بخاصّة أنني أعلم أنّهم هم أنفسهم لم يقبضوا رواتبهم». وعلى رغم أنّ زافين يفضّل عدم زج نفسه في هذه القضية، نسأله أن يحاول إعطاء رأي في ما يجري فيجيب: «القرار يعود إلى مالكي المحطة ولهم حرية تنفيذ ما يرونه مناسباً، ولكن أتمنّى أن يقيّموا تجربة «الإخبارية» لمعرفة فوائدها وأضرارها، نجاحاتها وإخفاقاتها، كي يخرجوا بخلاصة تفيدهم. أمّا رأيي فأُبديه بعد أن يقرروا الصورة التي ستتّخذها المحطة الجديدة لأرى إن كانت تتناسب مع تطلعاتي». وماذا لو لم تكن تتناسب وتطلعاته؟ يجيب زافين بأنه سيكون مجبراً على ترك المحطة. زافين المعروف بطرح سؤال «ما إحساسك؟» لا يمكن إنهاء الحديث معه قبل أن نسأله: ما إحساسك إذا اكتشفت أنّك الاسبوع المقبل ستقدّم الحلقة الأخيرة من برنامجك؟ فيسارع إلى الإجابة: «هذه ستكون لحظة تعيسة جداً أتمنّى ألاّ أصل إليها، لأنّها ستعلن نهاية فصل في حياتي».