ما زال الإعلام السياسي في لبنان مغلقاً ومحسوباً على فئات ضيقة، ما يدفع بعض المواهب والأقلام الإعلامية إلى البحث عن مساحة أوسع للتعبير في محطات عربية أو حتى غربية. ربما تكون لهذا الوضع السيئ جوانب إيجابية إذا نظرنا من زاوية محددة، فهو الذي دفع الإعلامية اللبنانية ميسون نويهض للخروج من الدائرة الضيقة الخاضعة للمحسوبيات في الإعلام اللبناني، والانضمام إلى محطات عربية مهمة، آخرها قناة «العربية»، حيث تعد تقارير إخبارية وتقدّم نشرات الأخبار، وهو الذي أظهر لنا الوجه الآخر لتلك الإعلامية التي بدأت حياتها المهنية في أجواء التسلية والمرح والفن بعيداً من السياسة التي هربت منها طوال فترة عملها في لبنان. «سبب هروبي من المواضيع السياسية في لبنان»، تقول ميسون، «هو أنّ كل محطة تلفزيونية محسوبة على شخص أو حزب أو طائفة أو تيار أو فئة، ومجرد التعاطي في السياسة عبر محطة ما سيفقدني الجمهور المنتمي إلى الرأي الآخر». ولا تخفي أنّها منذ بداية مسيرتها في الإعلام كانت تحضّر نفسها للدخول في مجال الإعلام السياسي، لكنّها كانت ترفض الإقدام على هذه الخطوة قبل أن يصبح «إعلامنا موضوعياً وغير محسوب على أحد، وقبل أن يتوقّف فرض العمل ضمن منطق محدد وقراءة مقدمات نشرات أخبار نارية وطرح أسئلة محددة دون سواها». وبما أن الوضع بدا ثابتاً، انتظرت نويهض فرصة الانضمام إلى محطة عربية، باعتبار أنّ معظم تلك المحطات، على رغم أنّ لها توجّهاً عاماً، لا تنحصر في سياسات أو طوائف محددة. «شخصية قناة «العربية» تشبهني، وأنا أشبهها» تقول ميسون، «وتجربتي معها أكّدت لي أنّ المسؤولين يحرصون على إظهار الرأي والرأي الآخر، فقناة «العربية» موضوعية ولا أحد يُمنَع من الظهور عبر شاشتها ولو كان رأيه مختلفاً كلّياً عن سياسة المحطة». عبارة «سياسة المحطة» تستوقفنا للسؤال حول الموضوعية التي تفتقدها ميسون نويهض في الإعلام اللبناني وتجدها أكثر في بعض المحطات العربية، فهل يمكن القول إنّ في العالم كلّه، وليس في العالم العربي فحسب، إعلاماً موضوعياً مئة في المئة غير خاضع لرأي محدد أو خط معيّن؟ تجيب: «لا موضوعية مئة في المئة، لأنّك في الواقع أمام بشر يعملون ويتفاعلون، وكل شخص له انتماؤه وفكره وأيديولوجيته، ولكن الفارق يكمن بين أن يفرض المرء وجهة نظره وبين أن يُظهر مختلف وجهات النظر، تاركاً الحرية للآخرين في اختيار ما يناسبهم». وتضيف أنّ ما يفرحها في وجودها في «العربية» هو أنّها لا تقف ضمن إطار البلد الذي تنتمي إليه بل تشمل تغطية مواضيعها مختلف البلدان، مشيرة إلى أنّها صارت واسعة الاطلاع على الشأن العراقي مثلاً، كما القضية الفلسطينية وسواهما من القضايا العربية. ولكن، كيف تنظر نويهض اليوم من بعيد إلى ما يجري في وطنها؟ «أنظر بأسف»، تجيب بصوتٍ حزين، «وأتمنّى وأحرّض الشعب اللبناني على الثورة، ولكن ليس من أجل الرؤساء والزعماء والسياسات، بل من أجل الوطن ومن أجل لقمة العيش والحياة بكرامة ومن أجل المطالبة بتوقّف الاغتراب وهجرة الأدمغة». نشعر من صوت ميسون ومن رأيها، أنّه من المستبعَد أن تعود قريباً إلى لبنان، وتؤكّد شعورنا هذا في إجابتها: «لا أجد اليوم ما يشجعني على العودة، فحيث أعيش الآن أشعر بالأمان والراحة، وأنام من دون الخوف بأن يقتحم منزلي أحد أو يهجم عليّ وعلى عائلتي مقنّعون يرموننا في الخارج، إذا لم يقرروا أن يقتلونا... فلماذا أعود؟»، ثم تقول بعد لحظات من الصمت: «لا أنكر أن حلم كل مغترب أن يعود إلى وطنه ليكون بين أهله وكي يكبر أولاده في البيئة والطبيعة والجو الذي كبر هو فيه، ولكن لا يمكن اتخاذ قرار كهذا بشكل عشوائي ضارباً عرض الحائط بكل الوقائع». بالعودة إلى بداياتها في مجال الإعلام الفني وبرامج التسلية والترفيه، هل تفكّر ميسون في تقديم برامج مماثلة مجدداً، أم تعتبر أنّها صارت في مرتبة مرتفعة أكثر من تلك النوعية؟ «لا أعتبر أنّ البرامج السياسية أعلى مرتبة من البرامج الترفيهية، فكل نوع له مكانته وله جمهوره وله دوره وأهميته، ولكن أعتبر أنني لم أعد أجد نفسي في هذا المجال على رغم أنني أعرف أنّ الناس اليوم بحاجة ماسّة إلى التسلية والترويح عن النفس، كما هم بحاجة لمتابعة المستجدات السياسية».