الأخبار الواردة من اليمن مثيرة للقلق. الصدامات بين الجيش والحوثيين تحولت حرباً فعلية. الاشتباكات الأخيرة بين الحوثيين وقبائل سنية في صعدة شديدة الخطورة. اضطرابات الأسابيع الماضية في المحافظات الجنوبية ليست بسيطة. عودة البعض الى رفع شعار الانفصال تنذر باضطراب يمني كبير. لا تكتمل صورة المشهد اليمني من دون الالتفات الى «القاعدة». حلمها التحصن في اليمن ليس سراً. تراهن على عناصر عدة: التضاريس الصعبة والتركيبة السكانية والقبلية وانتشار السلاح والحضور المحدود للدولة في المناطق التي تعيش تقليدياً تحت سلطة الأمر الواقع. تضاعف من رغبة «القاعدة» في التمركز في اليمن بعد الضربة التي تلقتها في العراق. والهزيمة التي منيت بها في السعودية. تحاول «القاعدة» حالياً إحياء النزاع المذهبي في العراق على أمل العودة الى التحصن في مناطق سنية. النتيجة ليست مضمونة. تراهن على اليمن لمعاودة الانطلاق منه في اتجاه السعودية لاحقاً. المشهد الفلسطيني ليس باهراً هو الآخر. لا شك ان نجاح «فتح» في عقد مؤتمرها على أرض فلسطينية وبعد انقطاع مدة عشرين عاماً غاب خلالها القائد المؤسس يعتبر حدثاً بارزاً. لكن عَقْد المؤتمر لا يكفي. الخراب الذي ضرب البيت الفلسطيني يبدو عميقاً. منع «حماس» فتحاويي غزة من المشاركة في المؤتمر ليس موقفاً ناصعاً. التعامل مع أبناء الطرف الآخر كرهائن في غزة أو الضفة يوحي ان الحوار بين «حماس» و «فتح» يشبه الخدعة. المشهد معيب. في بيروت تفوح رائحة فشل وطني شامل. الفشل وحده وطني وشامل. كل الحسابات الأخرى أقل من مساحة الوطن. بلاد تعجز عن تشكيل حكومة من دون اللجوء الى كل انواع الاستغاثات والتدخلات والضمادات الإقليمية والدولية. بلاد تعجز عن تعيين موظف من دون ان تتلوى طويلاً على موسيقى التجاذبات المذهبية والمناطقية. رائحة فشل وطني فاقع. سياسيون يتدربون بدم المواطنين ولحم الوطن. يخاصمون بلا حدود ولا ضوابط ولا روادع. ثم يندمون ويتقلّبون ويسبحون ويطلقون أعذاراً أقبح من الذنوب. سياسيون لا يحق لك ان تسلمهم مصير ابنائك. إنهم يحتقرون الناس ويستحمرونهم. هل يحق للسياسيين ان يرتكبوا بحراً من الأخطاء والمبالغات ثم تستفيق ضمائرهم فجأة فيغيرون الثوب والقبعة والقاموس. يكتشفون الجغرافيا كأنها كانت متوارية. والتاريخ كأنه كان محجوباً. يكتشفون البديهيات كأنها لم تكن معروفة منذ قيام الكيان. الويل للمواطن في هذا البلد من سياسات تنضح خفة وذلاً. الويل للشهداء. يقتلون مراراً بعد استشهادهم. يُطعنون كثيراً وطويلاً. وأغلب الظن انهم تسرّعوا حين صدقوا الخطباء الذين يعيدون اكتشاف البديهيات متأخرين. أبعد من اليمن وفلسطين ولبنان ومناخ التوتر المذهبي في الإقليم هناك إيران وملفها النووي واحتمالاته. وعجزها عن ان تكون دولة عادية أو طبيعية. وهناك الوحش الإسرائيلي واستعداداته العسكرية المتواصلة. الإقليم مضطرب وموعود بانهيارات كثيرة. الرهان على باراك أوباما لا يكفي لتبديد القلق. أي نجاح لإسرائيل في استنزاف انطلاقته سيعمق مشاعر اليأس في المنطقة وسيضاعف الحرائق والممارسات الانتحارية. لا بد للمنطقة من مظلة تمنع الاندفاع نحو الهاوية. أربع دول يمكن ان تكون عصب هذه المظلة. السعودية ومصر وسورية وتركيا. أي لقاء جدي وفعلي بين هذه الدول سيرسل إشارة استقرار في المنطقة. سيؤثر على العراقيين والفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين ايضاً. سيشجع إيران على التعامل بواقعية داخل الإقليم. سيشكل رسالة حازمة في وجه إسرائيل. سيحض أميركا وأوروبا على التعامل مع أزمات الإقليم بصورة أكثر عدلاً ومسؤولية. سيحرم الانتحاريين من العثور على ملاذات آمنة. تزيد المظلة الرباعية حظوظ اوباما في النجاح وتمنع الانهيار الكبير في الإقليم في حال فشله.