تعيش تونس هذه الأيام تصاعداً لافتاً في حدة التوتر السياسي والاجتماعي بخاصة في ظل تواصل الحرب الكلامية بين الحكومة الموقتة التي يقودها الإسلاميون والاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة عمّالية في البلاد. وقرر الاتحاد العام للشغل، ليل الخميس، القيام بإضراب وطني عام في 13 الشهر، رداً على الاعتداء الذي تعرض له مقره المركزي في العاصمة من قبل رابطات «حماية الثورة» المقربة من الحكومة، وأيضاً رداً على الاتهامات التي وجهتها له قيادات إسلامية بأنه يسعى إلى بث الفوضى في البلاد وإسقاط الحكومة. وجاء بيان الإضراب العام في نقطتين رئيسيتين، أولهما رفع شكوى إلى منظمة العمل الدولية لاتخاذ موقف من الاعتداءات المتكررة على اتحاد الشغل، والمطالبة بحل رابطات ولجان حماية الثورة التي «تأتمر بأوامر حركة النهضة وتتمتع بدعم سياسي منها». مع العلم أن الإسلاميين لا يفوتون فرصة في الدفاع عن هذه الرابطات معتبرين أنها إفراز من إفرازات الثورة. واللافت أن تاريخ الإضراب، وهو أول إضراب عام في تونس منذ 1978، يتزامن مع مؤتمر دولي تنظمه تونس، ويحضره مسؤولون ووفود رسمية من دول كبرى، بينهم هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية. والظاهر أن اختيار هذا التاريخ هدف من خلاله الاتحاد إلى «جر» الحكومة إلى التفاوض قبل المؤتمر الدولي من اجل تحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والاجتماعية، كونه سيحرج الحكومة إذا استضافت الوفود الدولية على وقع الاحتجاجات المطلبية. وفي حين كان من المنتظر أن ينخفض التوتر في البلاد بخاصة بعد هدوء الأوضاع في محافظة سليانة، في الشمال الغربي، إلا أن الخطاب عاد إلى التشنج والتصعيد بخاصة بعد الهجوم الذي تعرض له معقل النقابيين في العاصمة واتهام قيادة الاتحاد الصريح لحركة النهضة بالوقوف وراء ما حصل بالتواطؤ مع لجان «حماية الثورة» التي نفّذت الهجوم. وذهب الأمر بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي إلى حد رفض الحضور إحياء الذكرى السنوية الستين لاغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد، كما رفض الرد على اتصالات من رئيس الحكومة الأمين العام ل «النهضة» حمادي الجبالي. وعلى رغم أن إقرار الإضراب العام كان استجابة لمطالب النقابيين وأنصار اتحاد الشغل، إلا أن ذلك يعتبر أقوى درجات التصعيد التي مارسها الاتحاد منذ صعود الإسلاميين إلى الحكم في تونس. وصعّدت الحكومة بدورها من حدة خطابها، وواصل وزراؤها والقياديون الإسلاميون توجيه الاتهامات والانتقادات إلى المعارضة واتحاد الشغل. وكان لافتاً في هذا الإطار ما صرّح به زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي بأن الاتحاد منظمة يسارية راديكالية تسعى إلى إسقاط الشرعية، مطالباً الشرطة بتفتيش مقراته وإخضاعها للرقابة. وجاء خطاب الغنوشي مفاجئاً لكثيرين باعتبار أنه اعتاد تقديم الحلول والتسويات في مناسبات سابقة. وتواجه «النهضة» ضغوطاً داخلية أخرى يمارس بعضها شريكاها في الحكم، حزب التكتل الديموقراطي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، اللذان طالبا بإجراء تعديل وزاري شامل وإعطاء فرصة أكبر للكفاءات. ورغم أن النهضة ترفض تسليم الحكم للتكنوقراط، إلا أنها لا ترفض مبدأ التعديل الحكومي مع الحفاظ على موقعها في الحكم. ووسط كل هذا المشهد اصطفت المعارضة اليسارية والليبرالية خلف الاتحاد العمالي وساندت مطالبه وتحركاته من دون تحفظ. وعلى رغم الوضع المعقد والتصعيد الحاد من طرفي الأزمة، إلا أن ذلك لم يمنع الحكومة واتحاد الشغل من إطلاق مؤشرات إلى بدء حوار بينهما لحل الأزمة الحالية. وظهر ذلك من خلال بيان للحكومة دعا الأطراف كافة إلى حوار «عاجل ومسؤول». كما أن اتحاد الشغل لم يقفل الباب أمام الحوار، إذ أنه ربط تنظيمه الإضراب العام بمدى استجابة الحكومة لمطالبه وهي، ظاهرياً، حل رابطات «حماية الثورة»، وضمنياً، تحديد خريطة طريق الانتقال الديموقراطي وموعد الانتخابات المقبلة، وهو مطلب تجمع حوله المعارضة والمجتمع المدني وحتى شركاء «النهضة» في الحكم. ويجعل ذلك حركة النهضة والحكومة أمام خيارات صعبة بين الاستجابة للضغوط والإقدام على حل رابطات الثورة، وإما تجاهل مطالب الاتحاد والمعارضة وهو ما يفتح البلاد أمام احتمالات عدة منها الفوضى.