«يوتيوب»: «بثّ نفسك» Youtube: Broadcast Yourself. بشعار مملوء بتحدٍ هو أن يصبح الفرد الرقمي موازياً لفضائية تلفزيونية، استولى «يوتيوب» على الأعين، إلى حدّ أن رقماً نشر أخيراً أوضح أن عدد مشاهديه في السعودية وصل إلى 190 مليوناً يومياً، ما يفوق عدد سكان المملكة بقرابة 7 أضعاف، مع الإشارة الى أن الرقم الأخير زاد 585 في المئة منذ العام 1960! وتحضّ هذه المقارنة على مزيد من التأمل في التداخل بين الواقعي والافتراضي. ومن المستطاع ترجمة رقم مُشاهدة السعوديين ل «يوتيوب»، بأن كل مواطن «يبثّ نفسه»، سواء بوضع شريط أو مُشاهدته فردياً، 7 مرات يومياً، ما لا يحدث مع وسائل الاعلام التقليدي، كما يطرح تحدّياً متعدد الأبعاد على التلفزة التي يتفاعل هذا الموقع معها بكثافة لافتة. إذ وُصِف «يوتيوب» بأنه أرشيف التلفزة، بمعنى أنه نقل التلفزة من مرحلة المشاهدة التي تتطاير في الزمن، بالنسبة إلى المشاهد، إلى مرحلة النص البصري القابل للتوثيق على الانترنت. ولا أقل من وصف هذا الأمر وحده بأنه انقلاب جذري في علاقة الجمهور بالتلفزة. ويشكّل الرقم السعودي الشطر الأكبر من المشاهدة اليومية ل «يوتيوب» عربياً، التي تبلغ 240 مليوناً. وفي هذه السنة، تصاعد التمدّد في حضور «يوتيوب» في البث التلفزيوني، خصوصاً مع ترسّخ ظاهرة «صحافة المواطن» عبر الأشرطة التي يلتقطها الأفراد ويضعونها على «يوتيوب». وتهاطل جلّ هذه الأشرطة بأثر من التحركات المتّصلة ب «الربيع العربي» (خصوصاً ثورة سورية). وبقول آخر، زادت أشرطة الجمهور عبر «يوتيوب»، في استيلاء هذا الموقع على مساحة من البثّ التلفزيوني تتسع بإطراد. وثمة وقائع خاصة في هذه العلاقة المتشابكة تتصل بالسعودية، تتمثّل في تقدّم الجمهور السعودي عربياً، في صنع مسلسلات مخصصة ل «يوتيوب» (وبدرجة أقل كي تُبثّ أيضاً عبر «تويتر»). ربما لا يخلو من الدلالة أيضاً أن هذا العام 2012، تميّز بظهور أول مسلسل درامي سعودي عبر «يوتيوب» (هو «تاكي»)، إضافة إلى استمرار المواد الكوميدية والدرامية المصنوعة بأيدٍ سعودية شابة كي تُبثّ عبر «يوتيوب» (وأيضاً «تويتر»)، مثل «إيش اللي» و «زيباد كاست» و «صاحي تون» و «تشويقة» و «قروشة». ويعتبر الأخير من أبرز مسلسلات ما سُميّ سعودياً «كوميديا تيوب»، وهي تمزج أسلوب «ستاند آب كوميدي» المستندة إلى ذكاء ممثّل منفرد، مع تعليقات من وحي برامج ال «توك شو». وراجت «مسلسلات يوتيوب» بحلقات لا تزيد مدّة كل منها على 5 دقائق، بالترافق تبنّيها من شركات انتاج كبيرة، وذيوع شهرة ممثليها ومؤدّيها. بالاختصار، يبدو رقم المشاهدة السعودي مع هذه الوقائع التي تؤشّر لتفرّد قوي للجمهور السعودي في علاقته مع «يوتيوب»، بل مجمل مواقع الشبكات الاجتماعية، بمواد مرئية- مسموعة يصنعها الشباب. وكذلك تدلّ على صعود كبير للثقافة البصرية وللذائقة الفردية، في الثقافة اليومية للأجيال الشابة سعودياً، على غرار ما يحصل مع الشبيبة عالمياً. واستطراداً، تدلّ وقائع الرقم السعودي على أن موقع «يوتيوب» الذي أسّس على أيدي ثلاثة شبان من جامعة «إنديانا» (هم تشاد هارلي، وستيفن شين وجويد كريم) في 2005، لم يفقد علاقته الخاصة مع الشباب والجامعة. وللحديث صلة.