دمشق، أنقرة، بيروت -»الحياة»، أ ف ب، رويترز- في معارك وصفها سكان وناشطون بالأكثر عنفا وشراسة، قصفت قوات الجيش السوري أحياء يسيطر عليها مقاتلو المعارضة حول دمشق بالطائرات والصواريخ أمس، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات وسط حال من الذعر وفرار للمدنيين من ريف العاصمة إلى دمشق نفسها تحسبا للأسوأ. وأرسل الجيش تعزيزات أمس الى الريف الدمشقي، بعد ما حققه المعارضون من تقدم على مدى أسبوع بما في ذلك السيطرة على قاعدتين عسكريتين قرب العاصمة. وذكر نشطاء أن الهجمات الصاروخية الكثيفة التي وقعت أمس أودت بحياة عشرة أشخاص على الأقل في بلدة دير العصافير التي تقع على مسافة 12 كيلومترا شرق دمشق. وأظهر مقطع مصور نشره نشطاء من البلدة خمس جثث على الأقل، إحداها لصبي وأخرى لرجل مسن. وكانت الجثث الأخرى مغطاة بملاءات بيضاء ملطخة بالدماء. وأظهر تسجيل مصور آخر دخانا يتصاعد إلى جانب بعض المباني التي تشتعل فيها النيران. ومع محاولة قوات المعارضة تضييق الخناق حول دمشق وتقدمهم على أطرافها، قالت مصادر أمنية سورية وأخرى ديبلوماسية لوكالة «رويترز» إن قوات النظام بدأت في شن سلسلة هجمات بهدف إغلاق منطقة وسط دمشق و»فصلها عن الضواحي». ويبدو أن هجوم الجيش يحول دون تقدم مقاتلي المعارضة إلى وسط دمشق حتى الآن. غير أن أيا من الجانبين لم يكسب أرضا جديدة في الأيام الماضية، فيما يتواصل القتال على طول ضواحي المدينة رغم القصف الكثيف الذي تشنه قوات النظام. وذكرت صحيفة «الوطن» السورية القريبة الى النظام أن الجيش «فتح ابواب جهنم» ضد كل من يخطط للهجوم على العاصمة. فيما قال التلفزيون الرسمي إن الجيش يقضي على «إرهابيي القاعدة» في عدد من الأحياء المحيطة بدمشق، بما فيها داريا معقل المعارضين. وقال معارضون إن الجيش اقتحم جزءا من داريا، وهي منطقة تقع على الأطراف الجنوبيةلدمشق، وأطلق منها المقاتلون قذائف مورتر على المدينة. وتحدث ناشطون والمرصد السوري لحقوق الانسان عن استقدام القوات النظامية تعزيزات إضافية إلى داريا. فيما توقعت «الوطن» ان تعلن المنطقة «آمنة خلال الساعات المقبلة». وأوضح المرصد أن القوات النظامية تسعى إلى السيطرة على داريا «لقربها من مطار المزة العسكري، وهو الاهم في ريف دمشق»، وتنطلق منه الطائرات الحربية والمروحية لتنفيذ عملياتها. وانعكس اشتداد المعارك العسكرية في ريف العاصمة على المقيمين فيها. وقالت ناشطة لوكالة «فرانس برس» عبر سكايب إن»اصوات الانفجارات باتت أقرب وأقوى يوما بعد يوم»، مشيرة إلى أن العديد من عائلات الريف لجأ الى دمشق «ما يؤثر على كل مناحي الحياة، من توفير الاغاثة الى النقل والاقامة والغداء والشراب». ودخلت الاشتباكات حول مطار دمشق الدولي يومها الرابع أمس. وأغلق المطار منذ يوم الخميس عندما حاول الجيش التصدي لمقاتلي المعارضة هناك، والذين يقولون إن طريق المطار بأكمله تحول إلى ساحة معركة. وأفاد «أبو نضال» الناطق باسم مقاتلي المعارضة في دمشق عبر سكايب باإن «الجيش الحر» يهاجم التعزيزات التي تحاول الدخول الى المطار لمساعدة قوات النظام، مشيرا إلى أن هناك اشتباكات على طول طريق المطار بأكمله. لكن السلطات السورية قالت إن الطريق باتت «آمنة»، وان العمليات العسكرية لم تؤثر على حركة الملاحة فيه. وأفاد رئيس شركة «مصر للطيران» رشدي زكريا بان الشركة ستسأنف الرحلات الجوية إلى دمشق وحلب بدءا من اليوم، بعد ثلاث أيام. وذلك بعد «التأكد من استقرار الظروف الأمنية في الوقت الراهن في سورية خصوصا على الطرق المؤدية إلى مطاري دمشق وحلب». وفي ريف دمشق ايضا، اغار الطيران الحربي على محيط بيت سحم ودير العصافير ويلدا جنوب العاصمة، تزامنا مع اشتباكات في هذه المناطق، يضاف اليها اشتباكات في الغوطة الشرقية، وقصف مدفعي على بلدات ومدن دوما ورنكوس والسيدة زينب والزبداني وعربين وحرستا ومضايا وبيبلا ويلدا في ريف العاصمة. وقال التلفزيون الرسمي إن «وحدات من بواسل قواتنا المسلحة تشتبك مع مجموعات ارهابية مسلحة تتبع لجبهة النصرة في عقربا وبيت سحم والحجيرة». وفي حمص، قتل 15 شخصا واصيب 24 آخرون بجروح في تفجير سيارة مفخخة بحسب ما افادت وكالة الانباء السورية (سانا). وفي القاهرة بدأ «الائتلاف الوطني السوري» التحرك على ملفات عدة، بينها الحكومة الانتقالية وملاحقة المتهمين بإرتكاب جرائم ضد الانسانية في سورية، وذلك وسط تقدير أن «الحسم في دمشق بات قريبا». وأكد رئيس اللجنة القانونية في «الائتلاف الوطني» هيثم المالح أن الاجتماع «أنجز ملفات عدة في غاية الأهمية»، نافياً أن يكون تم تأجيل الكثير الى المؤتمر المقرر عقده في مراكش في 11 كانون الأول (ديسمبر) الجاري. وقال مناع في حديث إلى «الحياة» إن الاجتماع «أجل فقط تحديد اعضاء المكتب السياسي الستة، بعد أن حدد رئاسة المكتب لرئيس الائتلاف ومعه ثلاث نواب، إضافة إلى نائب من الأكراد والأمين العام للمجلس الوطني السوري». وأوضح انه «ستتم تسمية الأعضاء من قبل الرئيس والحصول على توافق حولهم في اجتماعات مراكش». وأشار إلى أنه «تم كذلك تأجيل تسمية رئيس الحكومة وبالتالي الوزراء الى المؤتمر، وأنه لن يكون هناك خلاف حول هذا الأمر فإما سيكون بالتوافق أو بالانتخاب». وأعرب المعارض السوري عن اعتقاده بأهمية اجتماعات مراكش التي تتضمن اجتماعا للإئتلاف ومؤتمراً لأصدقاء سورية، معتبرا «أن الأمور الآن اقتربت من الحسم في دمشق وأن سقوط بشار الأسد بات وشيكاً». واكد ان اجتماعات القاهرة انجزت أشياء مهمة مثل «النظام الأساسي» للائتلاف الذي تمت الموافقة عليه بعد نقاش طويل، كما تم تشكيل اللجان. وكشف المالح أنه اقترح أمام الاجتماعات إلغاء «المجلس الوطني» حتى يصير جسم المعارضة كتلة واحدة وحتى لا يكون الائتلاف «برأسين»، لكن اقتراحه رفض. وينص «النظام الأساسي» للائتلاف على قيام الائتلاف باختيار حكومة موقتة تعمل على اسقاط النظام القائم حاليا، ولا يجوز لها الدخول في حوار أو التفاوض مع هذا النظام، فضلا عن تسيير القطاعات المختلفة المتعلقة بالشؤون السورية وضمان وحدة وسيادة الأراضي السورية، والعمل على تسيير وتوجيه السياسة الخارجية وتنظيم العلاقات مع كافة الدول والمنظمات الدولية والاقليمية وتمثيل الشعب السوري أمامها، وادارة شؤون المناطق المحررة وتنسيق جهود المجالس المحلية الموجودة والربط بينها، والعمل على استرداد أموال الشعب السوري بالتنسيق مع اللجنة الوطنية القانونية السورية وأن للائتلاف سلطة محاسبة الحكومة الموقتة وقبول استقالتها. ويقوم الائتلاف بالدعوة إلى عقد المؤتمر الوطني العام بعد سقوط النظام ويُحل الائتلاف بعد انعقاد المؤتمر الوطني العام وتشكيل الحكومة الانتقالية. وأكد المالح أن مهمة اللجنة القانونية التي اسندت إليه هي لتهيئة الملفات من اجل ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية في سورية واسترداد الأموال المسروقة. وقال إن اللجنة ستباشر عملها فورا، معتبرا المهمة صعبة وخطيرة حيث يتوجب التعاقد مع عدد كبير من المحامين على مستوى دولي وفتح مكاتب في بروكسيل وجنيف ودبي والاستعانة بمجموعة خبراء.