من يزور دول الخليج عموماً، والإمارات العربية المتحدة بصورة خاصة هذه الأيام، لا يشعر للوهلة الأولى بأن أزمة المال والاقتصاد الدولية الراهنة أثّرت على عجلة النمو والعمران، بعد تسارعها المدهش في السنوات الماضية، على خلفية الدخل الخيالي الذي حققته هذه الدول من مبيعات النفط والغاز. لكن إطلاعاً سريعاً على مجريات الأمور هناك، يلفتُ إلى أن الأزمة هزت الخليج ككل، بخاصّةٍ قطاع العقارات والاستثمارات الداخلية والخارجية فيها، سواء لناحية التشابك المالي بين هذه الدول والغرب، على صعيد القروض والأصول الهالكة أو لناحية التراجع الكبير في أسعار النفط والغاز. وكان وزير خارجية الكويت الشيخ محمد الصباح كشف مطلع السنة الحالية أن دول الخليج العربي خسرت بفعل الأزمة المزدوجة، وخلال أربعة شهور فقط، 2،5 تريليون دولار. وفي الإمارات وحدها بلغت قيمة المشاريع العمرانية الملغاة 260 بليون دولار كما أفادت البيانات الأخيرة الصادرة عن شركة «إعمار» العقارية العملاقة ومؤسسة «مورغان ستانلي» ومصرف «أتش أس بي سي»، علماً أن قيمة المشاريع التي كانت قيد الإنشاء في الإمارات حتى نهاية السنة الماضية 1،25 تريليون دولار. وتوقف العمل كلياً أو جزئياً في عدد من جزر «نخيل» أهمها «نخيل هاربور اند تاور» حيث يجري بناء أعلى برج في العالم بطول كيلومتر تقريباً ليكون أحد أهم معالم إمارة دبي. وبما أن دبي تلقت الجزء الأكبر من العاصفة المالية العاتية، التي لم تهدأ بعد، مدَّتها شقيقتها الكبرى إمارة أبو ظبي الأقل تضرراً بالأزمة، والأغنى مالاً ونفطاً وغازاً، بمساعدة أولية قيمتها 10 بلايين دولار لتتمكن من دفع فوائد القروض المصرفية المتوجبة عليها. إضافة إلى ذلك، عملت حكومة أبو ظبي في الأشهر الماضية على شراء مشاريع عمرانية كثيرة عجزت إمارة دبي عن سد عجزها أو إنقاذها، ما زاد في قوة موقعها المالي والسياسي داخل الاتحاد. وعلى رغم الوضع الحالي الصعب في الخليج وفي الإمارات وقطر، الذي انعكس سلباً على أسعار العقارات التي انخفضت بين 25 و40 في المئة، كما على وضع العمالة الأجنبية وأجورها، لا تبدو التوقعات الاقتصادية للمنطقة على المديين المتوسط والبعيد سيئة جداً كما يشير إلى ذلك خبراء ومراقبون، يعتقدون أن الأزمة العالمية ستجد نهايتها عاجلاً أم آجلاً وتضع أوزارها بين سنة وثلاث سنوات. وفي هذا الإطار يبدو الخبير الاقتصادي الدكتور سهيل حمادة، الذي كان مستشاراً اقتصادياً في غرفة التجارة والصناعة في أبو ظبي قبل أن يصبح مديراً عاماً لمجموعة «أدكار غروب» للاستشارات الاقتصادية الأوروبية والتسويقية، أكثر تفاؤلاً من غيره. وفي حديث معه حول حجم تداعيات الأزمة على دولة الإمارات، وعلى إمارة دبي بصورة خاصة، أعرب حمادة ل «الحياة»، عن اعتقاده بأن آثار الأزمة ستبدأ في التراجع في الأشهر الستة المقبلة، وتوقع أن يشاطره في رأيه خبراء آخرون. وعرض حجم تأثر دولة الإمارات العربية المتحدة بالأزمة الدولية، فتداعيات الأزمة «تمثلت في توقف مصارف محلية وعالمية عديدة بصورة غير مباشرة، عن تمويل المشاريع الجديدة التي تعرض عليها»، مشيراً إلى «التحفظ الذي تبديه هذه المصارف في المرحلة الحالية على هذه المشاريع، مع الوعد بالعودة إلى درسها في مرحلة لاحقة». وبعد أن لفت إلى أن قطاع المال والمصارف في الإمارات، كان من أكثر القطاعات التي تعرضت للانعكاسات السلبية لهذه الأزمة، ما أثَّر بشدة على المشاريع الإعمارية، رأى أن هذا الأمر «أصبح محلولاً جزئياً في إمارة أبو ظبي، بعدما ضخَّت حكومتها مبلغ 20 بليون دولار لدعم أربعة مصارف رئيسة في الإمارات، ما انعكس إيجاباً على حركة التمويل في الأسابيع الأخيرة، بحيث لاحظنا بدء التحضير لتنفيذ مشاريع جديدة من قبول عروض ومناقصات تقدمها شركات البناء». وتابع حمادة: «لا شك في أن الأزمة العالمية أثّرت في قطاعات عدة في الإمارات، وبالذات في قطاع البناء، لكننا نمر اليوم في مرحلة ترقب لن تتعدى نصف سنة، تعيد بعدها المصارف النظر في موقفها وتنتقي المشاريع المقترحة، وتموّلها على أسس جديدة». وزاد: «من الواضح أيضاً أن الأزمة أظهرت شركات كثيرة لم تثبت جديتها وقدرتها المالية على تحمل الأعباء كافّة، بعدما كانت حصلت على قروض مصرفية من دون حساب ومن دون تقديم مستندات تثبت قدرتها على سد العجز في حال حصوله». وعن الإفلاسات التي حصلت في صفوف شركات، قال، اللافت أن العديد من هذه الحالات وقع في إمارة دبي بسبب وجود شركات تطوير كثيرة في القطاع العقاري دخلت السوق من دون خبرة. وأشار في هذا المجال «إلى مستثمرين يملكون مبالغ لا بأس بها من قروض خارجية، خاطروا في دخول قطاع العقارات الذي كان ينمو بوتائر سريعة جداً في ظل رقابة ضعيفة فوقعوا ضحية أزمة المال الراهنة».