بعدما هدأ القصف والصواريخ وبدأت الحياة تعود الى طبيعتها في قطاع غزة واسرائيل في اعقاب التوصل الى اتفاق وقف النار، انشغلت الساحتان الفلسطينية والاسرائيلية بأسئلة «اليوم التالي» واستحقاقاته والاستراتيجيات المقبلة. ففي اسرائيل، أطلت المعركة الانتخابية برأسها مجدداً قبل شهرين على موعد الانتخابات العامة، ومعها التوقعات بانعكاسات عملية «عمود السحاب» على صناديق الاقتراع. ويتفق المعلقون الاسرائيليون على ان العملية العسكرية في غزة كانت ستؤدي لإسقاط رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو في الانتخابات المقبلة (مثلما كلفت حرب 2008 ضد القطاع حزب «كديما» الحكم)، لولا عدم وجود منافس ذي وزن حقيقي او جنرال سابق لتهديده، وذلك في ضوء إقرار الاسرائيليين بأن نتائج عملية غزة لم تكن في مصلحة دولتهم، بل لا يتردد البعض في الاعلان بأن حركة «حماس» هي التي انتصرت، وان «نتانياهو خنع لها»، او «اصبح اسيراً سياسياً» بيدها. ولم يستبعد معلقون ان يستفيد حزب «المتدينين - المفدال» الاكثر تطرفاً من الانتقادات الموجهة الى نتانياهو فيفوز بمقاعد من تحالف «ليكود - اسرائيل بيتنا»، لكن من دون تهديد هيمنة اليمين والمتدينين على الكنيست الجديدة. كما أن عودة زعيمة «كديما» سابقاً تسيبي ليفني الى الساحة الحزبية لرئاسة حزب وسطي جديد لا يبدو انها تهدد نتانياهو، اذ تشير التوقعات الى ان المقاعد التي سيكسبها حزبها ستكون على حساب احزاب الوسط وليس معسكر اليمين. على خط مواز، سيجد الفلسطينيون انفسهم أمام استحقاقيْن أساسييْن بعد اتفاق التهدئة: الأول المصالحة الوطنية، والثاني التوجه الى الاممالمتحدة نهاية الشهر الجاري للحصول على صفة دولة غير عضو في المنظمة الدولية. في هذا الصدد، دعت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الى ضرورة عقد لقاء قيادي موسع وسريع يضم اعضاء اللجنة ورئيس المجلس الوطني والامناء العامين للفصائل وشخصيات مستقلة من أجل البحث في تطبيق المصالحة، والاتفاق على التحرك السياسي المقبل، خصوصاً دعم خطوة التوجه الى الاممالمتحدة. وبدا ان الاجواء الراهنة مواتية للمصالحة، وان نتائج التصعيد العسكري الأخير ادت الى تناغم غير مسبوق بين العمل الديبلوماسي في رام الله وبين العمل العسكري في غزة. وثمة مؤشرات كثيرة الى التقارب بين السلطة وحكومة «حماس»، اذ سمحت الاولى لانصار الحركة بالتظاهر في مدن الضفة، فيما اعلن مكتب رئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنية امس تلقيه اتصالاً هاتفياً من الرئيس محمود عباس ل «تهنئته بالنصر». في الوقت نفسه، اكدت وكالة الانباء الفلسطينية (وفا) ان هنية والقياديين في «حماس» احمد بحر و»الجهاد الاسلامي» محمد الهندي اكدوا في اتصالات هاتفية منفصلة مع عباس «دعمهم الخطوة الوطنية بالذهاب الى الاممالمتحدة». وكشف كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات لاذاعة «صوت فلسطين» ان وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون هددت بإجراءات عقابية ضد السلطة وعباس اذا تم التوجه الى الاممالمتحدة، ونقل عنها قولها لعباس «اذا فعلت ستدمر نفسك سياسياً... وستدمر المشروع السياسي الفلسطيني، ونطالبك بعدم الذهاب لاننا سنعمل على اعادة احياء المفاوضات مع بداية العام المقبل». كما كشف عريقات ان عباس «تلقى رسالة من مجلس الشيوخ الاميركي تهدد بعقوبات ضد السلطة، وتنص على تبعات سلبية على علاقاتنا ومساعداتنا للشعب الفلسطيني». وبمعزل عن السلطة، يبقى التحدي الأهم بعد اتفاق التهدئة هو ذلك الذي ستواجهه «حماس» التي سيكون عليها ان تحدد استراتيجيتها المقبلة في اعقاب التوصل الى اتفاق وقف للنار طويل المدى مع اسرائيل يمنع اطلاق الصواريخ والعمليات.