اطلق الاسرائيليون على رئيس حكومتهم بنيامين نتانياهو لقب «المولع بالدراما»، في اعقاب اثارته اجواء من التوتر والفزع، رداً على المصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح. وعلى رغم الانتقادات التي تعرض لها من جهات اسرائيلية والدعوة الى التروي والتهدئة تجاه هذه المصالحة، إلا ان نتانياهو واصل حملته الهجومية الى حد اتخاذ قرار بتجميد أموال الضرائب التي تجبيها اسرائيل من الجمارك والتي يدفعها التجار الفلسطينيون في الموانئ والمطارات الاسرائيلية وتحولها اسرائيل الى السلطة الفلسطينية، وفق اتفاقات أوسلو وملحقاتها. ويدير نتانياهو حملته هذه تحت شعار «خطر الارهاب على اسرائيل»، فيحاول تجنيد دول الغرب الى جانب الموقف الاسرائيلي، وهدفه اصابة اكثر من عصفور بحجر واحد: فهو أولاً يريد الافلات من الضغوط عليه لتحريك المفاوضات، والحجة التي يتذرع بها اليوم ان وجود حماس، كتنظيم ارهابي، في حكومة السلطة الفلسطينية امر يتنافى ومبادئ عملية السلام، وإسرائيل ترفضه بشدة، وترفض التفاوض حتى مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، لأنه يقود تحالفاً مع حماس ولم يعد بالنسبة الى اسرائيل شريكاً في السلام. وهو يريد ثانياً تهدئة حلفائه من معسكر اليمين المتطرف، الذين يصفقون له اليوم تأييداً وتقديراً لصلابة موقفه من حماس وحلفائها الجدد من فتح. فهو يستخدم الخطاب اليميني المتطرف ويشارك في حملة التخويف من الصواريخ القادمة من غزة التي تهدد باحتمال انتقالها الى الضفة الغربية، ما يعني اقتراب خطر حماس وصواريخها وعملياتها العدائية من مركز اسرائيل. وهو يريد ثالثاً تقويض المواقف الأوروبية التي تدعو للاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على أساس حدود 1967 مع تعديلات طفيفة. وما يطرحه أمام الأوروبيين هو: «هل تريدون منّي ان أقيم دولة تديرها حكومة بمشاركة حماس؟». وقد يكون هناك رابعاً وخامساً والكثير من الأهداف الأخرى، التي يحققها في مجال استئناف الاستيطان اليهودي وربما توجيه ضربات عسكرية تحت ستار «مكافحة الارهاب» ورفض فكرة اقامة حكومة وحدة بمشاركة حزب «كديما» المعارض. وانضمت وزارة الخارجية الاسرائيلية الى مجهود نتانياهو فطرحت تقريراً سرياً يحذّر من أن «اتفاق المصالحة الفلسطيني سيؤدي إلى انهيار السياسة الأميركية وسيشكل ضربة لمصالح كل من تل أبيب وواشنطن في المنطقة». وجاء في التقرير الصادر عن «مركز البحوث السياسية» التابع للحكومة الاسرائيلية أن اتفاق المصالحة سيعزز فرص الفلسطينيين في حشد أكبر دعم دولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وسيؤدي إلى إفشال مخططات الإدارة الأميركية لإحياء المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لقطع الطريق على التحرك الفلسطيني للتوجه الى الأممالمتحدة للحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية. وحذر التقرير الذي قدم لكل من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان من أن اتفاق المصالحة قد يدفع دولاً أوروبية «محورية» لإجراء اتصالات رسمية مع حركة حماس، بعد اعترافها باتفاق المصالحة وبحكومة التكنوقراط التي ستتشكل في أعقاب التوقيع عليه، مشدداً على أن هذا التحول سيؤذن بإضفاء شرعية دولية على حركة حماس وسيؤدي إلى قيام الاتحاد الأوروبي بإزالة اسم حركة حماس من قائمة الحركات الإرهابية، مما يقلص من قدرة إسرائيل على التحرك ضد الحركة وضربها. من ناحية ثانية، لفت التلفزيون الإسرائيلي الأنظار إلى أن الثورات العربية ساهمت إلى حد كبير في تغيير مواقف الأوروبيين من الحركات الإسلامية، وتحديداً جماعة «الإخوان المسلمون»، مشيراً إلى أن حركة حماس ستستفيد من هذه التحولات على اعتبار أنها ذراع من أذرع الجماعة. لكن خطة نتانياهو هذه تصطدم برفض حتى في اسرائيل. فقد انقسم الاسرائيليون في مواقفهم من المصالحة الفلسطينية. فهناك من دعم الحكومة ورئيسها وشارك في حملة التحريض على السلطة الفلسطينية ورئيسها ابو مازن والتخويف من أخطارها على اسرائيل. وهناك من رأى ان موقف نتانياهو متسرع في رفض المصالحة وقد يأتي بالنتيجة العكسية على اسرائيل. وأصحاب هذا الموقف يحذرون من انعكاس هذه المصالحة مستقبلاً، في حال فشلت او نجحت، على اسرائيل اذا واصلت حملة رفضها الحالية. وهناك من يرى ضرورة في التريث وانتظار التطورات الفلسطينية، مثل قيادة الجيش والمخابرات التي تقول ان المصالحة ليست مضمونة وقد تنتهي الى فشل ذريع، كما حصل مع سابقاتها في السنوات الأخيرة. الرئيس السابق لحركة «ميرتس»، يوسي بيلين، تساءل في حال فشلت هذه المصالحة، فهل سيكون ذلك في مصلحة اسرائيل وهل سيكون المجال مفتوحاً امام نتانياهو ليتساءل عما اذا كان قد منح فرصة لهذه المصالحة ام لا؟ يرى بيلين أن مواجهة هذه المصالحة والسعي الى إفشالها خطوات في غير مكانها. ويقول ان الواجب الأخلاقي يحتم على الحكومة الاسرائيلية ان تعطي فرصة لحكومة الوحدة الفلسطينية بمشاركة حماس. فإذا كانت تلك حكومة ارهاب وعدوان، يرفضها ويرد عليها كما يشاء. ولكن، إذا كانت تلك حكومة تفاهمات وتعاون تواصل المفاوضات، فقد تتحول الى فرصة. وأضاف: «نحن نقول للرئيس أبو مازن انه بسبب الانقسام ما بين غزة والضفة، لا يمثل الشعب الفلسطيني. فبأي حق أخلاقي نقول له اليوم اننا نرفض المصالحة؟». ويقترح بيلين على الحكومة الاسرائيلية ان تتخذ الموقف المحايد وعدم التدخل، ويقول: «صحيح انه يتوجب علينا عدم احتضان الاتفاق، وفي الوقت نفسه يتوجب على اسرائيل، برأي بيلين، عدم اعلان رفضها لعدم معرفة تفاصيل هذا الاتفاق. ويحسم بيلين رأيه بالتأكيد ان هناك احتمال تراجع قوة حماس، وفق استطلاعات الرأي الأخيرة، في مقابل ارتفاع شعبية ابو مازن، وبالتالي يصبح عنواناً فلسطينياً واحداً إزاء اسرائيل، وهذا، يجعل اتفاق القاهرة فرصة للفلسطينيين ولنا ايضاً»، يقول يوسي بيلين. ويقول وزير الخارجية السابق شلومو بن عامي ان الافضل لإسرائيل ان تعترف حماس بمحمود عباس رئيساً للسلطة وأن تُمكّنه من اجراء تفاوض سياسي مع اسرائيل. فاذا لم يكن لحماس موطئ قدم في اجهزة الأمن في الضفة الغربية واستمرت في حكم قطاع غزة وحده، وإذا توقفت حماس عن ممارسة العنف ضد اسرائيل، فهذا تطور ايجابي، لأن اسرائيل في النتيجة لا يحق لها ان تقول لمحمود عباس انه لا يمثل الفلسطينيين جميعاً - فقطاع غزة لم يعد تحت سيطرته - وأن تمنعه ايضاً من اقامة شراكة مع الغزيين ليستطيع تمثيل الشعب الفلسطيني كله. ويضيف بن عامي ان كل من ينشد السلام في اسرائيل يؤيد اتفاق المصالحة. وكل من يفتش عن حجة يتذرع بها لرفض مفاوضات السلام، فسيجدها في المصالحة. ويرى داني ياتوم، الرئيس السابق لجهاز الموساد، ان نتانياهو يدير سياسة مدمرة لاسرائيل. فهو «يلعب لعبة مكشوفة للجميع لكنه يواصل اللعب فيها من دون أن يشعر ان الجميع يعرفها ومن دون أن يدرك ان الناس أذكى منه». ويقول: «العقبة الأساسية هي ان نتانياهو يعرقل المفاوضات. والجمود في المفاوضات، هو الذي أدى بالرئيس الفلسطيني الى ان يتوجه الى حماس ويسعى للتصالح معها. وهذ يعني ان نتانياهو هو السبب في المصالحة». وأما الأوروبيون، وبعد ان كانوا قد فوجئوا بالمصالحة، فيرون ان الرد المتوتر عليها لا يفيد شيئاً، وأن هذه مناسبة تفتح فيها الطريق للاعتدال في حركة حماس ويجب تشجيعها على ذلك. من هنا فإنهم رفضوا الانسجام مع الموقف الاسرائيلي الهجومي على إعادة حماس الى قمة الهرم السياسي. بل إن مصادر سياسية اسرائيلية كشفت ان نتانياهو تلقى اشارة من بعض دول أوروبا بأن اقامة حكومة وحدة بين حماس وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية لا توقف بالضرورة القرار الأوروبي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية العتيدة. وزيارته هذا الأسبوع الى العاصمتين البريطانية والفرنسية ستتركز على طرح هذا الموضوع ليحاول اقناع قادة البلدين بالتخلي عن فكرة الاعتراف تماماً. لكن نتانياهو، حتى في نظر المراقبين الاسرائيليين، يتوجه الى أوروبا كضرب من ضروب المساعي الأخيرة قبل اليأس منها. فهو غاضب من المواقف الاوروبية. وهو مصمم على اجهاض مبادرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الدورة المقبلة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، ومصمم أيضاً على استغلال المصالحة مع حماس لخدمة خطته هذه.