يعيد اتفاق وقف اطلاق النار الذي توصل اليه الجانبان الفلسطيني والاسرائيلي برعاية مصرية في القاهرة، الواقع في غزة الى المعادلة التي كانت سائدة قبل العملية العسكرية الاسرائيلية الأخيرة (عمود السحاب)، لكن مع حقائق عسكرية جديدة، رادعة، ربما تحول دون تكرار هذه العملية في الزمن المنظور. ويعترف قادة حركتي «حماس» و»الجهاد الاسلامي» الذين توصلوا الى اتفاق القاهرة بأن الاتفاق لا يحدث، ولا يتوقع أن يحدث تغييراً في المعادلة القديمة للامن والمعابر لأنه «اتفاق أمني وليس سياسياً»، وفق تعبير أحد المفاوضين، لكن بالتأكيد فإن الحقائق العسكرية التي واجهتها اسرائيل في غزة ستجعلها تفكر أكثر من مرة قبل تكرار التجربة. وأهم هذه الحقائق ليس فقط إمطار قلب اسرائيل بالصواريخ، وانما أيضا امتلاك اسلحة جديدة مضادة للدبابات والدروع حالت، في ما يبدو، دون حدوث اجتياح بري للقطاع كما حدث قبل أربع سنوات. وقالت مصادر في قطاع غزة ل «الحياة» ان المقاومة حصلت بعد اجتياح عام 2008-2009 على أسلحة، منها مضادات للدبابات، كانت كافية لجعل اسرائيل تتردد كثيرا أمام بوابات غزة قبل أن تتخذ قراراً بالموافقة على وقف نار متعادل. وقالت المصادر إن المقاومة سعت بعد اجتياح عام 2008-2009 الذي اطلقت عليه اسرائيل اسم «الرصاص المصبوب»، والذي وصلت فيها الدبابات الاسرائيلية الى قلب القطاع، الى الحصول على أسلحة لمواجهة هذه الدبابات. واوضحت: «حصلنا على مضادات للدبابات وأسلحة أخرى كانت كافية لإعطاب أعداد كبيرة من الدبابات فور دخولها رمال غزة». وقال احد المسؤولين الكبار في المقاومة ل «الحياة»: «يبدو أن اسرائيل كانت تخشى مشهد الدبابات المعطوبة في ارض غزة المفتوحة، ما جعلها تتردد وتتراجع عن تهديدها باجتياح القطاع بريا». لكن في المقابل، فإن المقاومة في غزة كانت أيضا في حاجة الى وقف اطلاق نار يوقف شلال الدماء المتدفق والدمار الذي طاول القطاع طولاً وعرضاً. وقال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل عقب توقيع الاتفاق: «اسرائيل فشلت في مغامرتها العسكرية في غزة، صحيح أنها فعلت الكثير، دمرت البنايات السكنية، وقتلت العائلات والمدنيين والصحافيين، لكن صواريخنا ظلت تضربهم حتى آخر لحظة». وحسب مصادر مطلعة، فإن مخزون المقاومة من الصواريخ كان كافياً لاسابيع عدة مقبلة، لكنها فضلت التوصل الى وقف نار يجنب اهالي القطاع المزيد من الضحايا والدمار، من دون توقع حدوث تغيير في معادلة الأمن والمعابر. وقال مسؤول رفيع: «الاتفاق نص على فتح المعابر بعد 24 ساعة وتسهيل حركة المواطنين والسلع، لكن اسرائيل ستجد دائماً الوسائل لجعل ذلك صعباً على المواطنين». وأضاف: «بالتأكيد لدينا هذه المرة الراعي المصري والشاهد الاميركي على الاتفاق، ونأمل في أن يكون ذلك كافياً لالزام اسرائيل، لكننا نشك في ان دولة مثلها ستلتزم شيئاً». وأدت حرب غزة الى دخول الضفة الغربية، التي تتسم بالهدوء منذ سنين طويلة، على خط النار، اذ وقع هجوم على حافلة مدنية في قلب مدينة تل ابيب أسفر عن سقوط أكثر من 20 جريحاً اسرائيلياً. وشنت اسرائيل عقب العملية حملة اعتقالات واسعة في انحاء الضفة طاولت العشرات من ناشطي جميع الفصائل، خصوصا حركتي «حماس» و»الجهاد الاسلامي». ويرى مراقبون أن تجربة قطاع غزة في مواجهة اسرائيل ربما تشكل نموذجاً جذاباً لأهالي الضفة الذين يرون المفاوضات السياسية والاحتجاجات السلمية لا تحدث تأثيراً حقيقياً على المشروع الاسيتطاني الجارف في طول الضفة وعرضها.