تمثل معركة تمرير مسودة الدستور المصري الجديد التي أعدتها جمعية تأسيسية يهيمن عليها التيار الإسلامي اختباراً قاسياً لشعبية جماعة «الإخوان المسلمين»، وحلفائها السلفيين، خصوصاً في ظل تجميد قوى ليبرالية ويسارية وممثلي الكنائس عضويتهم في الجمعية رفضاً لآلية عملها وصياغات تمس الحريات والحقوق وأخرى تمنح الرئيس صلاحيات غير مسبوقة. وفي وقت بدا أن إنجاز دستور «توافقي» بات أمراً شبه مستحيل في ظل الاستقطاب الحاد بين الإسلاميين ومعارضيهم، انتقلت معركة تمرير الدستور إلى الشارع بعدما سعت الأطراف إلى حشد الأنصار باتجاه تبني وجهة نظرها سواء بدعم الدستور أو رفضه في الاستفتاء المتوقع نهاية العام. وبدا واضحاً أن جماعة «الإخوان» وحلفاءها يدركون جيداً أن عملية تمرير الدستور الجديد هي معركة فاصلة في مواجهة القوى الليبرالية واليسارية، وأنها ستكون كاشفة بجلاء مدى شعبيتهم في الشارع، لذا يسعى الإسلاميون إلى حشد أنصارهم لتمرير الدستور بفارق كبير لا يفتح الباب للتشكيك في شرعيته. وكثفت الجماعة حضور قادتها في المؤتمرات الجماهيرية. وبدا أن تقسيماً للأدوار يجري بين «الإخوان» والتيار السلفي، إذ ظهر أن قادة «الإخوان» لا يشغلون بالهم كثيراً بالحديث عن مواد الشريعة الإسلامية وإن تطرقوا إليها هامشياً، بل يركزون أكثر على ضرورة إنجاز الدستور في أسرع وقت «لتسيير شؤون البلاد والعباد»، كما عرضوا مواد نظام الحكم والحريات العامة للرد على انتقادات معارضيهم، على عكس شيوخ التيار السلفي الذين انشغلوا في خطاباتهم بتوجيه انتقادات لاذعة إلى القوى الليبرالية واليسارية وأبدوا تشدداً في مطالبات تطبيق الشريعة بحدودها وأحكامها. وعقد قادة «الإخوان» مؤتمرات جماهيرية تحت شعار «اعرف دستورك»، في مسعى لحشد أكبر عدد من الأنصار. وبدا لافتاً خلال كلمات قيادات «الإخوان» كثافة الإطراء على الدستور الجديد، والهجوم الشديد على من «يقفون حائلاً أمام تمرير الدستور»، فأكد عضو الجمعية التأسيسية القيادي «الإخواني» صبحي صالح أنه «فخور جداً بالدستور الجديد لأنه إنتاج الشعب المصري». وقال في مؤتمر في الإسكندرية إن مسودة الدستور الجديد «تحقق أهداف الثورة المصرية، خصوصاً العدالة الاجتماعية والحريات العامة والكرامة ورعاية مصالح المصريين، من دون تفرقة من حيث الجنس أو الدين أو اللون». وشدد عضو مجلس شورى «الإخوان» جمال حشمت على أنه «لن يستطيع أحد التأثير في عمل التأسيسية». ونفى في مؤتمر جماهيري في البحيرة هيمنة فصيل بعينه على الجمعية التأسيسية، وقال: «لا توجد أي هيمنة أو أخونة للدستور». وسعى قادة «الإخوان» إلى إبراز مميزات الدستور فأكد عضو الجمعية التأسيسية طاهر عبدالمحسن في مؤتمر جماهيري آخر أن «موازنة الجيش ستخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات شأنه شأن كل أجهزة الدولة، بما فيها الرئاسة». في المقابل، تحدى مؤسس «حزب الدستور» المعارض البارز محمد البرادعي «الإخوان» وحلفاءهم، مؤكداً أن الدستور الذي وضعته الجمعية التأسيسية «لن نقبله ولن يمر». وقال في محافظة أسوان الجمعة الماضي إن «الدستور لا يجوز أن يكون فيه تمييز عرقي»، موضحاً أن المسودة المطروحة «لا تمثل جميع أطياف الشعب المصري». وقطع الطريق على المزايدة بالشريعة قائلاً: «لا توجد دولة مدنية من دون الشريعة الإسلامية الوسطية». وأطلقت منظمات حقوقية ومبادرات حملة «دستوركم باطل باطل» في عدد من المحافظات لتوعية المواطنين بالمقومات الأساسية التي يجب أن يتضمنها دستور مصر الجديد. وتستمر الحملة التي بدأت أول من أمس لمدة عشرة أيام في محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية وقنا والغربية والإسكندرية. وحددت الحملة في بيانها الأول أهدافها في «صياغة دستور جديد يحقق طموحات الشعب المصري تحت شعار: معاً نساءً ورجالاً نكتب دستورنا». وتهدف الحملة أيضاً إلى «إلقاء الضوء على حقوق النساء، وتأكيد دور المرأة في الارتقاء بالمجتمعات من خلال نصوص واضحة تضمن حقوق النساء في المساواة، وتجريم كل أشكال العنف تجاه المرأة». وقال المنسق العام للمبادرة فتحي فريد إن «أعضاء الحملة يقومون بالتوعية بحقوق جميع فئات الشعب والروابط المهنية المختلفة، كما تتضمن الحملة التوعية من مخاطر انتشار العنف الجنسي ضد الفتيات وما يترتب عليه من إخلال جسيم بمقومات المجتمع وآثار سلبية عدة أخرى على أصعدة مختلفة منها الوضع الاقتصادي». ودعا المنظمات والأحزاب إلى الانضمام إلى الحملة ودعم مسيرة تنطلق في 25 الشهر الجاري من أمام مقر نقابة الصحافيين وحتى مقر الجمعية التأسيسية في مجلس الشورى للمطالبة بوضع نصوص واضحة تضمن حقوق النساء في الدستور.