سيكون ميدان التحرير غداً محط أنظار القوى السياسية المصرية، وفي القلب منها جماعة «الإخوان المسلمين» الحاكمة التي ستكتفي بمراقبة مشهد تظاهرات «دستور لكل المصريين» المطالبة بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور التي يهيمن عليها الإسلاميون، خصوصاً أنها ستكون أول محك لاستعادة زخم التظاهرات الكبرى المتوقفة منذ الانتخابات الرئاسية. ويشارك في التظاهرات عدد كبير من القوى التي لعبت دوراً رئيساً في الثورة، كما أنها ستمثل اختباراً لقدرات القوى الليبرالية واليسارية التي تجمعت في تحالفات للحؤول دون تمرير «الإخوان المسلمين» وحلفائهم السلفيين مشروعهم للدستور. ويعتبر الحشد أيضاً فرصة لعرض قوة المعارضة في مواجهة الإسلاميين قبل انتخابات برلمانية متوقعة العام المقبل بعد إقرار الدستور. وبالتزامن مع التظاهرات يعقد قضاة مصر اجتماعاً للبحث في موقفهم من الجمعية التأسيسية، ما يزيد من زخم الخلاف، لا سيما في حال اتخذ القضاة قراراً يبدو وشيكاً بمقاطعة أعمال الجمعية. وبدا أن الضغوط ستتزايد على أعضاء «التأسيسية» مع ظهور مسودة أولى للدستور إذ منع محتجون أمس الأعضاء من دخول مقر مجلس الشورى ما عرقل اجتماعاً كان مقرراً للجمعية بكامل تشكيلها لمناقشة دور الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة في الدستور الجديد. وقال رئيس الجمعية حسام الغرياني إنه «تقرر تأجيل الجلسة إلى الأسبوع المقبل بسبب الظروف الأمنية». وتشمل تظاهرات الغد التي أعلن 20 حزباً سياسياً وحركة احتجاجية المشاركة فيها، تنظيم مسيرات تنطلق من مساجد رئيسة في محافظتي القاهرة والجيزة، وصولاً إلى ميدان التحرير، إضافة إلى تظاهرات في الإسكندرية والإسماعيلية والسويس وأسيوط، بمطلب رئيس هو «إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية لتعبر عن كل ألوان الطيف المجتمعي في البلاد، وصياغة دستور توافقي يُعَبِّر عن جميع المصريين». وإضافة إلى ذلك، هناك مطالب متكررة منذ تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك السابق في مقدمها «محاكمة المسؤولين عن قتل شهداء الثورة» و «تطهير مؤسسات الدولة». ومن أبرز الداعين إلى التظاهرات حزب «الدستور» الذي يقوده المعارض البارز محمد البرادعي، و «التيار الشعبي» الذي يقوده المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، فيما أعلنت «حركة 6 أبريل» غيابها. من جانبه، اعتبر النائب السابق عمرو حمزاوي أن تظاهرات الغد هي جزء من حراك شعبي تقوم به القوى المدنية للضغط على أعضاء الجمعية التأسيسية، مشدداً على «ضرورة زيادة الضغط الشعبي أملاً في خروج دستور متوازن». غير أن الناطق باسم «6 أبريل» محمود عفيفي رفض ما طرحه حمزاوي، معتبراً أن «التظاهرات يجب أن تكون آخر الإجراءات التي تتخذ». وقال ل «الحياة»: «لدينا الآن آلية للحوار والتجاذب قبل أن نلجأ إلى التظاهرات عندما تتعقد الأمور». ورد حمزاوي على ذلك قائلاً إن «القوى المدنية لديها مواقف ثابتة من رفض التشكيل غير المتوازن للجمعية التأسيسية، كما أن لدينا تحفظات عن مواد أولية في الدستور تعصف بالحريات... مواقفنا وآراؤنا معلنة، ونرى أن الحوار مع أعضاء التأسيسية من دون ضغط شعبي غير مجدٍ». ويعقد «نادي قضاة مصر» جمعية عمومية غير عادية غداً برئاسة رئيس مجلس القضاء الأعلى محمد ممتاز متولي ورئيس النادي أحمد الزند، «للبحث في موقف القضاء والنيابة العامة من باب السلطة القضائية في الدستور الذي يجري إعداده، وسبل التصدي لأي اقتراحات من شأنها المساس بالسلطة القضائية أو تعطيل الفصل في القضايا أو التأثير الضار بمسيرة العدالة». وفي مسعى منها إلى كسب ود المعارضين، طالب مقرر لجنة الحوار في الجمعية التأسيسية القيادي في «الإخوان المسلمين» محمد البلتاجي المصريين «بالإمساك بمسودة الدستور واقتراح وشطب وتغيير ما يريد من مواد». وأكد خلال مؤتمر صحافي أمس لإطلاق المسودة الأولى للدستور الجديد أن «الاستفتاء سيكون بنعم أو لا على إجمالي الدستور لكن الاستفتاء المجتمعي الذي ندعو إليه اليوم يمكن أن يكون على كل مادة نصاً نصاً وحرفاً حرفاً». من جانبه، وجه عضو الجمعية وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية محمد محسوب اللوم إلى زملائه، معتبراً أن عدداً من أعضاء الجمعية «لديهم رغبة في إثبات الذات على حساب جسد الوطن»، مشيراً إلى أن هؤلاء «يوهمون أنصارهم بأن تغيير لفظ يعني عدم تطبيق الشريعة، والآخر يوهم أتباعه بأن اللفظ نفسه يعني إباحة زواج القاصرات». وقال إن «البعض يرغب بأن يحسم معاركه ويحقق انتصاراته الوهمية في نصوص الدستور، ولا يدرك أن الدستور يهدف إلى تنظيم الاختلاف لا لحسم الخلاف وللمشرع الاجتهاد». ورأى أن «هناك حالاً من التربص تجتاحنا، ورغبة في إثبات الذات على حساب جسد الوطن، فالكل يرجو الحصانة وتغليب رأيه ولو ترك الوطن بلا حصانة ولا دستور». إلى ذلك، تعهد الرئيس مرسي أمس فرض الأمن في سيناء، وتوعد «الأعداء» وإسلاميين متشددين في المنطقة، وان فتح الباب لهم «للعودة إلى رشدهم». وشدد مرسي خلال حضوره مناورات عسكرية في حضور وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي وقادة الجيش، على أن «السلام لا يعني الاسترخاء... ونحن قادرون على إبطال مكر العدو والرد على كل كيده، لا نغفل لحظة ولا نسمح لأحد بأن يعتدي على شبر واحد من هذه الأرض، والمصريون مستعدون دائماً لأن يضحوا من أجل وطنهم». ووصف مرحلة حكمه ب «العبور الثالث». وقال: «ننتقل نقلة نوعية إلى الاستقرار والأمن والاقتصاد والحرية والعدالة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، إلى غد أفضل وإلى مصر جديدة». وسعى إلى طمأنة الجيش، مؤكداً أن القوات المسلحة «أحد الأسس التي تنطلق منها مصر الجديدة لتحقيق أهدافها التي لا غنى عن تحقيقها في العلم والبحث العلمي والتكنولوجيا والصناعات الثقيلة لتكون مصر في مصاف دول العالم المتقدم». وتطرق إلى الوضع الأمني في سيناء، متعهداً «تعميرها والدفاع عنها وأن نقف بالمرصاد لأعدائنا ونرصد من يعبث بها ونقف له بالمرصاد». ووجه حديثه إلى إسلاميين متشددين يستوطنون سيناء، قائلاً: «مصر أرضكم فيها متسع للجميع واحرصوا على أن تكونوا جزءاً من نسيج هذا الوطن». ورأى أن «البعض لا يدرك حقيقة ما يفعل بتوجيه من العدو من خارج الوطن، إلا أن هذا البعض نعتبره من أبنائنا ونقول له عُد إلى أهلك وكن جزءاً من الوطن ولا تكونوا جزءاً من مؤامرة على الوطن من دون أن تدركوا... فلا مجال للعبث أبداً في سيناء ولا يمكن أن يكون مصري أبداً جزءاً من مؤامرة على أرض سيناء أو أرض الوطن». في غضون ذلك، أمر مساعد وزير العدل لشؤون جهاز الكسب غير المشروع القاضي يحيى جلال بمنع رئيس تحرير جريدة «الجمهورية» الحكومية السابق سمير رجب من التصرف في أمواله وكل ممتلكاته، إضافة إلى أولاده وزوجته، وكذا منعه من مغادرة البلاد بسبب «تضخم ثروته». وجاء القرار غداة قرار مماثل طاول رئيس التحرير السابق لجريدة «الأهرام» الحكومية إبراهيم نافع ومدير الإعلانات في المؤسسة حسن حمدي. وكان رئيس هيئة الفحص والتحقيق في جهاز الكسب غير المشروع القاضي أحمد عبدالعال تلقى تقارير من جهات رقابية «تفيد بتضخم ثروة سمير رجب جراء عمله لفترة طويلة على رأس مؤسسة دار التحرير للطباعة والنشر». وينتظر أن يتم استدعاء رجب للتحقيق معه ومواجهته باتهامات تمس أرصدة مالية وشققاً وعقارات وأراض وسيارات وغيرها تضمنتها تقارير الجهات الرقابية.