فاجأ السلفيون الأوساط السياسية في مصر برفضهم مسودة الدستور التي طرحتها الجمعية التأسيسية للنقاش العام قبل أيام وتضمنت مزيداً من المواد المعززة لوضع الشريعة، لينضموا بذلك إلى قوى ليبرالية ويسارية عدة تعترض على تشكيل الجمعية التي يهيمن عليها الإسلاميون. وأبدت كل القوى السلفية تقريباً تحفظات عن مسودة الدستور، حتى أن بعضها أعلن اعتزامه الحشد للتصويت ضده، رغم تمثيل هذه القوى في الجمعية التأسيسية. وقال عضو الجمعية نائب رئيس جماعة «الدعوة السلفية»، وهي الجماعة الأم لحزب «النور»، ياسر برهامي إن مسودة الدستور «لا تعبر عما تم الاتفاق عليه في لجان الجمعية، ولا تمثل القراءة الأولى لمشروع الدستور». وأضاف في بيان أن «المسودة أهملت كثيراً من الاقتراحات التي لن نتنازل عنها، مثل تفسير مبادئ الشريعة التي تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الفقهية الأصولية ومصادرها المعتبرة عند أهل السنة والجماعة». غير أن هذا التفسير تحديداً ورد نصاً في المادة الرقم 221 في باب الأحكام العامة من المسودة الجديدة. لكن يبدو أن السلفيين يريدون إلحاق هذه المادة بالمادة الثانية التي تتحدث عن مرجعية مبادئ الشريعة. ويرفض السلفيون تفسير المحكمة الدستورية مبادئ الشريعة الواردة في المادة الثانية على اعتبار أنها «النصوص القطعية الدلالة والثبوت» التي يرى الإسلاميون أنها نصوص قليلة جداً. وانتقد برهامي في بيانه غياب مادة في المسودة تشدد على أن تكون «ممارسة الحقوق والحريات بما لا يخالف قيم المجتمع، مع أنه تمت الموافقة عليها بالإجماع»، معتبراً أن «غياب هذه المادة يسمح بهدم قيم المجتمع بزعم حرية الفكر والعقيدة خصوصاً أن حرية العقيدة مطلقة في النص الموجود في المسودة وهي بذلك تشمل عبادة الشيطان والأوثان والردة عن الإسلام، وهذا بلا شك يعرض المجتمع لخطر كبير». وأكد أنه «إذا لم يتم تعديل المادة الثانية أو إضافة المادة المفسرة لكلمة مبادئ التي اتفق عليها، فإن كل الخيارات متاحة وسنتخذ كل الوسائل بما في ذلك المليونيات»، معتبراً أن «الذين انتخبوا الرئيس محمد مرسي لم يختاروه إلا لتطبيق الشريعة». وأكدت جماعة «أهل السنة والجماعة» في بيان أن التيار الإسلامي «يتعرض لضغوط شديدة غير مسبوقة» في الجمعية التأسيسية «جعلت الليبراليين والعلمانيين يحصلون على مكاسب تفوق بكثير ما حققه الإسلاميون». وأضافت أن «الإضافة إلى المادة الثانية بقيت في مصلحة غير المسلمين، ففي حين أن المسلمين يحتكمون إلى مبادئ الشريعة لا إلى قواعدها ولا أحكامها، فإن لغير المسلمين الاحتكام إلى أحكام دينهم ونصوص شرائعهم». واعتبرت أن «النخبة التي تملأ الدنيا ضجيجاً فارغاً، نخبة غير منتمية إلى دين الله وهوية الإسلام، ويجب أن تتغير هذه النخبة وأن تستبدل بنخبة ممتلئة بهذا الدين». ورفضت النص على أن مبادئ الشريعة المصدر الرئيس للتشريع، وطلبت أن تكون «المصدر الوحيد كي لا تكون هناك مصادر أخرى». وشددت على «رفض أي دستور لا ينص صراحة على منع تشريع أي قوانين جديدة في الحاضر أو المستقبل تصادم أو تخالف الشريعة الإسلامية». وقال نائب رئيس حزب «الأصالة» السلفي ممدوح إسماعيل ل «الحياة» إن الحزب يرفض مسودة الدستور الجديد وسيدعو إلى رفضها إن تم الاستفتاء عليها بنصها الحالي، مضيفاً: «نعترض على كلمة مبادئ الواردة في المادة الثانية ونطلب استبدالها بأحكام، وما عدا ذلك مرفوض... قد نلجأ إلى تحريك مليونيات في الشارع من أجل ضمان تطبيق الشريعة، حتى ولو في شكل متدرج وليس فورياً». واعتبر أن مسودة الدستور «أرضت كل القوى عدا الإسلاميين». أما الناطق باسم حزب «البناء والتنمية»، الذراع السياسية ل «الجماعة الإسلامية»، محمد حسان فقال ل «الحياة» إن الجماعة تدرس المسودة، «لكن ابتداء نشترط إما النص على أن أحكام الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، أو وضع مذكرة تفصيلية لكلمة مبادئ غير تفسير المحكمة الدستورية العليا الذي يسمح بسن قوانين مخالفة للشريعة». ودعت شخصيات سلفية محسوبة على القيادي السلفي المستقل حازم أبو إسماعيل إلى التظاهر في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) عقب عيد الأضحى من أجل رفض مسودة الدستور «والمطالبة بتطبيق واضح للشريعة». وقال الأمين العام لجماعة «الإخوان» محمود حسين ل «الحياة» إن الجماعة ما زالت تدرس مسودة الدستور، لكنها توافق عليها من حيث المبدأ، مشيراً إلى أن قيادات في الجماعة وحزبها «الحرية والعدالة» شاركوا في صياغة هذه المسودة باعتبارهم أعضاء في «الجمعية التأسيسية»، ما يعتبر موافقة ضمنية مبدئية عليها «لكنها في كل الأحوال تحت الدراسة». واعتبر أن عدم إعلان الجماعة أي موقف في شأن هذه المسودة «يعد موافقة ضمنية، طالما لم نرفضها حتى الآن». وفي مقابل اعتراضات السلفيين، عقد 29 حزباً ليبرالياً ويسارياً مؤتمراً صحافياً أمس أعلنت فيه مطالب تظاهرات دعت إليها الجمعة المقبل تحت شعار «مصر مش (ليست) عزبة»، أبرزها إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، إضافة إلى إعادة محاكمة رموز النظام السابق، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وشاركت في المؤتمر قوى أبرزها «حزب الدستور» الذي يقوده المعارض البارز محمد البرادعي و «التيار الشعبي» الذي يقوده المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي. وأكد النائب السابق مصطفى الجندي أن «الثورة قامت على من ظن إن مصر عزبة»، وانتقد «إدارة الدولة لمصلحة فصيل سياسي واحد وقمع المعارضة». ورأى أن الحزب الحاكم «كرر أخطاء النظام القديم نفسها». وحمّل «الإخوان» والرئيس محمد مرسي مسؤولية الدماء التي سالت الجمعة الماضي اثر هجوم مؤيدي الرئيس على معارضيه في ميدان التحرير. وشددت ممثلة حزب «الدستور» جميلة إسماعيل على «رفض خطف وإغلاق المجال السياسي سواء بالإقصاء أو استخدام العنف والترهيب»، مؤكدة «أننا مازلنا في مرحلة انتقالية وعلينا بناء المؤسسات وليس احتلالها لمصلحة فصيل معين». وفي حين اعتبر ممثل حزب «المصريين الأحرار» محمود العيادي أن مصر «أمام جماعة فاشية والشعب الذي أسقط (الرئيس المخلوع حسني) مبارك قادر على إسقاطها»، تعجب ممثل «الحزب الديموقراطي الاجتماعي» باسم كامل من «أن تبدأ جماعة الإخوان حكمها بموقعة جمل جديدة رغم أن نظام مبارك استغرقه الأمر 29 سنة للقيام بموقعة الجمل». واستنكر الطبيب أحمد حرارة الذي فقد عينيه في الثورة، الطريقة التي فض بها اعتصام ذوي الإعاقة أمام قصر الرئاسة وتهجير أقباط من منازلهم. وأكد أن «الحل لوقف هذه الانتهاكات هو دستور يعبر عن كل المصريين». وأوضح الناشط خالد تليمة الأهداف الأربعة من تظاهرات الجمعة «وهي القصاص للشهداء ووضع دستور لكل المصريين والعدالة الاجتماعية ومحاسبة المسؤولين عن أحداث الجمعة الماضية المعروفة بجمعة الغدر». وأشار إلى أن «هناك ثلاث مسيرات ستتحرك بعد صلاة الجمعة من مصطفى محمود ودوران شبرا ومسجد السيدة زينب إلى ميدان التحرير وستتحرك مسيرتان مساءً إحداهما من ميدان التحرير إلى مجلس الشورى للمطالبة بدستور يعبر عن كل المصريين والأخرى إلى قصر عابدين للمطالبة بالعدالة الاجتماعية ووضع حد أدنى للأجور مرتبط بالأسعار». على صعيد آخر، أمر مساعد وزير العدل لشؤون جهاز الكسب غير المشروع القاضي يحيى جلال بحبس رئيس مجلس الشعب السابق أحمد فتحي سرور 15 يوماً على ذمة التحقيقات، وأمر بضبطه وإحضاره بعد تخلفه عن حضور جلسة التحقيق معه في شأن الاتهامات المتعلقة بتضخم ثروته، كما قرر ضبط وإحضار رجل الأعمال إبراهيم كامل أبوالعيون لتخلفه عن الحضور. وكان سرور وكامل حصلا على حكم بالبراءة مع 24 آخرين في قضية قتل المتظاهرين المعروفة باسم «موقعة الجمل».