لم تعد قضايا الرشاوى والفساد الإداري في السعودية مرتبطة ب «الأصحاء» والموظفين من صغار السن، بل تجاوز تلك الفئات، إذ مثل يوم أمس أمام القضاء موظف في كتابة عدل مكة «أصم»، إضافة إلى رجل تجاوز عمره ال80 عاماً، بتهمة تزوير خمسة صكوك تبلغ مساحتها 1.6مليون متر مربع. وحضرت «لغة الإشارة» بعد مثول المتهمين «الأصم» و «كبير السن»، إلى جانب 10 متهمين آخرين في نفس القضية يوم أمس أمام المحكمة الإدارية في محافظة جدة بينهم كاتب عدل، كاتب ضبط، موظفون في محاكم مكة، وعقاريون. ووجه قاضي المحكمة الدكتور سعد المالكي سؤالاً مباشراً إلى المتهم الثاني وهو «كاتب عدل» بقوله: «لماذا لم تأخذ بتنبيه زميلك في كتابة العدل عن وجود مشكلات قبلية في تلك الأراضي التي زورت عليها الصكوك»، ورد عليه كاتب العدل أن الصكوك التي كانت أمامه لم يكن عليها ملاحظات أو مشكلات. وواصل القاضي أسئلته ل «كاتب العدل» عن مسار إجراء إصدار صك جديد، ليرد عليه المتهم بأنه ينجز في اليوم 60 صكاً شرعياً، وأنه لا يمكنه معرفة التزوير لعدم خبرته في التزوير، مشيراً إلى أن دوره ينحصر في تحويل الصكوك التي ترد إليه من رئيس كتابة العدل والذي يحولها بدوره إلى رئيس المحكمة، ومن ثم تعود إلى رئيس كتابة العدل الذي يحيلها إليه بأرقام وتواريخ. وأقر المتهم أمام المحكمة بأنه هو من قام بإفراغ الصكوك من دون علمه بأنها مزورة، أما ما يتعلق بالصكوك محل القضية، أوضح المتهم أن الأصل هو حضور أطراف الصكوك لديه، إلا أنه غير متأكد من ذلك. وأنكر أقواله في التحقيقات بأن المتهم الأول قد تشفع لديه بالصكوك، مضيفاً أن المتهم الأول حضر إليه في المكتب وأذن له في إنهائها وتبين له بعد ذلك أنها مزورة، مشيراً إلى أن المذكور كان يسعى في إجراءات إنهاء الصك في الإدارات المختلفة. فيما أكد المتهم الأول «كاتب ضبط» أن الإفراغ للصكوك الشرعية تم في منزله وليس في كتابة العدل، مبيناً أنه أتخذ الإجراء النظامي لتسجيل الصك بعد أن وصله توجيه بناء على خطاب من رئيس المحكمة وخطاب من إدارة السجلات وبعض القضاة. وسأله القاضي: «بعد أن علمت بأن الصكوك مزورة لماذا لم تتخذ إجراءاتك النظامية بناء على ذلك؟»، وحول شهادة المتهم الثاني كاتب العدل ضده بأنه ذهب إليه متشفعاً لأجل الصكوك المزورة، رد المتهم بأن أقواله غير صحيحة. وقدم المتهم الأول مذكرة مكونة من صفحتين تشتمل على ما جاء في لائحة الاتهام، وبمواجهته بإفادة المحكمة العامة من أن الصكوك الشرعية بمنطقة مكةالمكرمة مزورة، أكد أنها غير صحيحة وأنه لا يعلم عنها شيء، وأنكر المتهم اعترافاته في التحقيقات الأولية بثبوت علمه بالصكوك المزورة. وأنكر المتهم الثالث الذي حضر متأخراً بسبب تعرض سيارته إلى عطل فني جميع التهم الموجهة ضده والمتضمنة الرجاء والتوسط في الرشوة للمتهمين في أخذ وإعطاء الرشوة، مؤكداً أن اعترافاته المصدقة شرعاً كانت تحت الإكراه وأخذت بالقوة. وبالنداء على المتهم الرابع وهو صاحب مكتباً عقارياً متهم بدفع مبالغ مالية كرشوة لإصدار الصكوك محل الاتهام، أنكر جميع أقواله في التحقيقات وأفاد بأنها أمليت عليه إملاء، مشيراً إلى أنه أبلغ قاضي التصديق على أقواله بقوله «أنا في ذمتك»، وأفاد بأنه يملك مكتب عقار وليس له علاقة بتزوير الصكوك، وأن دوره التوفيق بين البائع والمشتري. من جهة أخرى، أكد المتهم الخامس وهو رجل أعمال متهم بتقديم رشوة مقابل استخراج صكوك للأراضي التي يمتلكها من دون أوراق رسمية، ومساحتها 600 ألف متر مربع، بأنه ينكر قيامه بتقديم رشوة عبارة عن منح وسيط عقار المتهم العاشر. وتساءل القاضي المالكي بقوله: «إن منحك هذه النسبة الكبيرة من أرضك والتي تصل إلى النصف للمتهم يدل على أنك تطلب منه إجراء غير سليم، وإلا لاستصدرت صكوك أراضيك بنفسك». وفي ذات القضية، أكد المتهم السادس (يعمل صياد سمك)، أن تورطه في القضية كان بسبب أن ابن أخيه عندما عرض عليه إصدار صك باسمه، وقال: «وافقت عليه باعتبار أنه أخبرني بأنه سيعمل لي في المباح، وفوجئت بعد فترة بإصدار صك بطول مترين ويحمل اسمي»، مشيراً إلى أن الأرض قدمت له مجاناً وأنه لم يقدم أي مبلغ مالي في مقابلها.