احتدمت أمس الخلافات داخل الجمعية التأسيسية، ولوّح 30 عضواً في الجمعية بالانسحاب احتجاجاً على الإسراع بعملية كتابة الدستور، ما قد يؤدي إلى «تقديم نصوص ركيكة وناقصة ستضر بمصالح مصر والمصريين»، فيما زاد الإسلاميون من ضغوطهم على الجمعية، بعدما أصرت «الجماعة الإسلامية» وعدد من القوى السلفية على النزول في تظاهرات اليوم تحت شعار «نصرة الشريعة»، على رغم إعلان جماعة «الإخوان المسلمين» وحزب «النور» السلفي عدم المشاركة فيها. ودخل أمس المرشد العام لجماعة «الإخوان» محمد بديع على خط أزمة الدستور، داعياً معارضي التيار الإسلامي إلى «تغليب المصلحة الوطنية». ودافع عن مسودة الدستور، معتبراً أنها «تعبر عن تحول ديموقراطي حقيقي تشهده الساحة السياسية». لكنه أبدى انحيازاً إلى الداعين إلى «ترسيخ الشريعة الإسلامية في الدستور»، داعياً إلى «المحافظة على الهوية الوطنية الواحدة المتمثلة في الهوية الإسلامية». ويأتي احتدام الصراع على الدستور الجديد قبل أيام من اجتماع يتوقع أن يكون حاسماً بين القوى السياسية الممثلة في الجمعية التأسيسية والرئيس محمد مرسي، كما يأتي غداة إعلان أعضاء الجمعية التوصل إلى مقاربات في شأن مادة حقوق المرأة التي أثارت خلافات بين الإسلاميين والقوى المدنية. والتقى مرسي أمس مستشاره للعدالة الانتقالية محمد سليم العوا. وقال بيان رئاسي مقتضب إن اللقاء «بحث في مستجدات المشهد السياسي المصري والمرحلة المهمة التي تمر بها مصر وملف الدستور، إضافة إلى التطرق إلى ملف العدالة الانتقالية». وكان 30 من الأعضاء الأساسيين والاحتياطيين في الجمعية التأسيسية أصدروا أمس «بياناً إلى الأمة» أعلنوا فيه رفضهم الخطة المقترحة والبرنامج الزمني لعمل الجمعية وإنهاء مشروع الدستور في ظرف أسبوعين، مهددين بالانسحاب من الجمعية «إذا أصر البعض على ملكيتهم للدستور ورفضهم أو خشيتهم من تعديلات غيرهم، وذلك حفاظاً على صدقية الدستور وتحقيقاً لرغبة هذا الشعب العظيم في دستور ديموقراطي». وبين الموقعين على البيان المرشح الرئاسي السابق عمرو موسى والخبير السياسي وحيد عبدالمجيد ورئيس حزب «غد الثورة» أيمن نور وأستاذ القانون الدستوري جابر نصار والناشط السياسي عبدالجليل مصطفى. وحذر هؤلاء من أن البرنامج الزمني لعمل الجمعية سيؤدي إلى «سلق الدستور... وتقديم نصوص ركيكة وناقصة ستضر بمصالح مصر والمصريين». وأعلنوا رفضهم «لأسلوب فرض عنصر السرعة وتفضيله على عنصر الكفاءة والجودة في دستور مسودته حتى الآن ليست متوازنة ولا متزنة ولا تليق ببلد عظيم كمصر وبشعب عريق ذي حضارة ضاربة في أعماق التاريخ يستحق دستوراً محترماً ينتظره الكثيرون في مصر وخارجها وليس مجرد ورقة تكون في مهب الريح». وأشاروا إلى أنهم «سيواصلون اجتماعاتهم لإنقاذ الدستور وضمان احترامه واتخاذ المواقف اللازمة ومعهم عدد من الأعضاء الذين أعربوا عن معارضتهم للمقترح المؤسف الذي أعلنته الجمعية من دون تشاور مع أعضائها بل اقتصر التشاور على مجموعة أو اثنتين من دون باقي القوى الممثلة لشعب مصر في الجمعية التأسيسية». وطالبوا رئيس الجمعية حسام الغرياني ب «أن يعطي الأعضاء من مختلف التوجهات السياسية فرصة مناقشة مواد المسودة مع التعديلات المقترحة منهم ومن غيرهم من أعضاء الجمعية ومن القوى السياسية خارجها مادة مادة وليس باباً باباً وأن يتاح الوقت الكافي لمناقشة مفصلة لهذه المواد». وأضاف: «لقد تحمل الأعضاء مسؤوليتهم الوطنية بالمساهمة الفعال والإيجابي في مناقشات الجمعية ولجانها ولن تقبل ضمائرهم الوطنية أن يصدر الدستور بهذه العجلة التي لا تتناسب مع قيمة الدولة المصرية وتراثها الدستوري وهم على استعداد تام للمساهمة في المناقشات الجادة في شأن المسودة المطروحة للدستور والتجاوب مع الاقتراحات التي طرحت حولها، كما أنهم على استعداد للانسحاب من الجمعية إذا أصر البعض على ملكيتهم للدستور ورفضهم أو خشيتهم من تعديلات غيرهم وذلك حفاظاً على صدقية الدستور وتحقيقاً لرغبة هذا الشعب العظيم في دستور ديموقراطي». ودافع مرشد «الإخوان» عن الجمعية التأسيسية، واعتبر أن «لم شمل القوى السياسية حول مسودة الدستور الذي يعبر عن جميع المصريين يعد اختباراً حقيقياً في حب مصر وامتحاناً للجميع في إخلاصهم للوطن بل ضرورة عربية ملحة في عودة أرض الكنانة إلى أن تتبوأ موقعها القيادي». ودعا إلى «إعلان تطهير حقيقي وملموس، يفرز قيادات حقيقية لمواجهة التحديات الحالية، وللمحافظة على الهوية الوطنية الواحدة المتمثلة في الهوية الإسلامية». ورأى بديع في رسالته الأسبوعية أنه «آن الأوان لإعلان تطهير حقيقي وملموس يفرز قيادات حقيقية لمواجهة التحديات بعيداً من خطايا الأنظمة البائدة التي تجذّرت وتعمقت في المجتمع وهو الأمر المتفق على تنفيذه في شكل فوري من كل الشعوب». وزاد: «آن الأوان للمحافظة على الهوية الوطنية الواحدة، وهي الهوية الإسلامية التي تدعو إلى الصدق والأمانة والوفاء بالعهود والوعود، بل وغرس استقلالية الهوية في الأجيال الناشئة والاعتزاز بها». وقال إن «من الثوابت في أفق الثورات الشعبية وهي تشهد عهداً جديداً، إعادة وعي الأمة وتحقيق فهم شامل للإسلام، الإسلام الذي يهتم بالجانب الفردي على مستوى السلوك الأخلاقي والعلاقات الاجتماعية على رغم المحاولات المستميتة لإقصاء هذه الهوية واختيار الإسلام بخصوصيته الحضارية القادرة على تقديم الإسلام كخيار حضاري يمكن أن يفوق كل الأنظمة البديلة». ودعا إلى «اتفاق جميع الوطنيين خصوصاً المثقفين والمفكرين والشباب والمرأة والعمال والفلاحين». وقال إن «ما تشهده الساحة السياسية اليوم من توافق على المشاركة في صناعة مستقبل مصر بدستور يعبر عن جميع المصريين من فصائل المجتمع المختلفة وبتوافق من قبل كل القوى السياسية قبل عرضه على الاستفتاء الشعبي ينم عن حال تحول ديموقراطي وسياسي يحتاج إلى رعاية مستمرة مع تغليب مصلحة الوطن». من جهة أخرى، بدأت الحكومة المصرية أمس في إجراءات تمليك الأراضي للبدو في شبه جزيرة سيناء التي تشهد اضطرابات أمنية، فيما أعلن محافظ جنوبسيناء تعيين عشرات من البدو في وظائف هناك، إضافة إلى تدشين مشاريع اسكان. وتأتي تلك الإجراءات الحكومية في محاولة للتخفيف من غضب البدو الذين هدد بعضهم قبل أيام بخطوات تصعيدية تجاه حكومة «الإخوان المسلمين» تصل إلى «إعلان حكم ذاتي». كما يتزامن مع تكثيف قوات الجيش وجودها في مدن شمال سيناء. ووصلت أمس تعزيزات عسكرية في محاولة للسيطرة على الانفلات الأمني وصد هجمات المسلحين. وأعلنت مصادر أمنية أمس توقيف أحد المتشددين في سيناء لاتهامه بقيادة هجوم شنه مسلحون على قسم شرطة مدينة العريش، ولفتت إلى أن الموقوف هارب من أحكام قضائية. وأصدر محافظ شمال سيناء اللواء سيد عبدالفتاح حرحور أمس قراراً بتمليك المواطنين على مستوى المحافظة الأراضي المقامة عليها بنايات داخل المدن التابعة للمحافظة. وأكد أن «تمليك الأراضي للمصريين فقط على أن يتقدم المواطن بشهادة ميلاد الوالدين لإثبات الجنسية المصرية مع طلب التمليك».