«مَن يحترم نفسه، ويلزم حدوده، شو منقلو؟ شاطر شاطر». لكن إذا لم يلتزم بذلك، أيضاً سنقول له: «شاطر شاطر». شخصياً أؤمن أن الكثيرين «ماخذين مقلب بأنفسهم»، وهي طبيعة بشرية بالمناسبة، وتنطبق في شكل كبير على صاحبنا الذي لا ينافسه بذلك إلا ملك ملوك أفريقيا. طبعاً مع الاعتذار عن التشبيه لهذا الأخير. فصاحبنا الذي سأتحدث عنه وألقبه ب»عبقرينو الإعلام»، هو أحد أفراد هذا المجتمع، وعضو سابق في مجلس الشورى، أكبر همه أن يبقى في دائرة الضوء وان يكون مثار جدل، حتى لو كان الثمن هو التخلي والابتعاد عن العقل والمنطق، ما يوقعه غالباً في متناقضات تجسد حالة «الخصاء الذهني» التي يعيشها، والتي بدورها تدفعه الى العدوانية التي تنخر في عمله وأدائه. بالأمس خرج علينا وهو يقدم النصائح لصحيفة وصفها بأنها «محترمة وطليعية»، وهي كذلك رغماً عن أنفه؛ لكن الموضوع لم يقف عند نصائحه، التي هي في غنى عنها، بل تعدى وتجاوز مستخفاً بها وبمكوناتها، وهذا في حد ذاته يدفعنا لتلقينه حجراً عله يعيده الى رشده. فالمذكور، ناقضَ نفسه بنفسه في المقال، فهو تحدث عن منع أحد «مخبري» الصحيفة من دخول مجلس الشورى، لأنه كتب «قصة خبرية لطيفة»، وهو هنا يتحدث عن جهد زميل مهنة قدم مادة قد لا يتمكن صاحبنا من كتابتها؛ لكن وبعيداً عن ذلك يعود ويتساءل عن سبب «زعل» الصحيفة من منع «مخبرها»، طالما أنها على غرار الأخريات باستثناء صحيفتين، على حد قوله، يتلقون «تقريراً مطبوعاً ومختزلاً لما تريده أمانة المجلس دون أن يضيفوا إليه أو يحذفوا منه بشكل إعلامي نيابي حقيقي»، أتوقف قليلاً عند هذه الفقرة، التي توضح التناقض الذي وقع فيه صاحبنا دون ان يدرك، فلو كانت القصة الخبرية التي نشرتها الصحيفة بياناً تم توزيعه، فلماذا إذاً تم حظره من الدخول؟ أما السقطة الثانية التي وقع فيها عبقرينو فهي قوله: «ليس لدينا الصحافي النيابي الذي يفسر ويوصل للجمهور مادة سهلة الهضم وقابلة للربط في يومياتهم»، وكان من الممكن تجاوز ما أورده هنا لولا انه كان قد ذكر في مقال له في وقت سابق «مجلس الشورى في السعودية لا يعيّن الوزراء ولا يستفتى عند تشكيل الحكومة وفقاً لنظامه... ولذلك لم يمارس المجلس قط أي نوع من العمل النيابي المتعارف عليه رقابياً على أداء أجهزة الحكومة». أمام هذا التناقض العجيب لا نملك الا ان تصيبنا الدهشة، فهو يطالب بصحافي نيابي، فيما يؤكد أن المجلس لا يمارس هذا العمل. ثم يعود عبقرينو في مقاله الركيك والهزيل فنياً، لتمجيد ذاته فيقول انه كان على الدوام يشعل في الوفود الصحافية «جذوة المهنية لإعلام نيابي حقيقي»، وتتواصل الأنوية لديه بقوله: «لا أذكر كم صرخت في إعلامنا المحلي للعب دور شجاع، وتنمية واقعنا الاجتماعي السياسي الاقتصادي والبدء في مجلس كالشورى». وهو هنا يذكرنا بالفرقعة التي أشعلها «عظيم عظماء الصحافيين السعوديين على غفلة» في أواخر عام 2007، عندما طالب بمحاسبة وتجريم مَن ينتقد أعضاء مجلس الشورى، وتم تقريعه قبل أن يحاول التملص مما قاله، والسعي إلى تقديم أعذار لا تقل قبحاً، بوصفه ذلك الرأي الأرعن بأنه «نوع من الشيطنة الإعلامية للحصول على اهتمام هذا النظام الميت، وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا بهذا الأسلوب». «خفيف دم». الإشكالية تكمن في أن عبقرينو ذلك الأستاذ في الإعلام، الذي لو تقدم للعمل متعاوناً في الصحيفة، التي تهجم عليها لتم رفضه لضعف إمكاناته، يعتقد أن الإعلام يقتصر على التنظير فقط، كمثل بضع من الأكاديميين، يقدمون النظرية تلو الأخرى؛ لكنها ليست بالضرورة قابلة للتطبيق على أرض الواقع، هذا من ناحية. أما من الناحية الأخرى، وهي الأهم من وجهة نظري، فإن عبقرينو وأمثاله لا يتوانون عن القيام بأي فعل للبقاء في دائرة الضوء ولخدمة مصالحه، فجميعنا يذكر الحملة التي شنها على وزير الصحة لإقالته، وقوبلت باستهجان مجلس الشورى والانتفاض منها بعد معرفة الدوافع الكامنة وراءها، التي انتشرت على كل لسان فيما بعد. المؤلم في الأمر أن البعض يعتبرون مجرد دخولهم قبة مجلس الشورى يضعهم فوق الجميع، والأسوأ من ذلك لهثهم خلف الإعلام لتلميع الذات، متناسين أدوارهم المناطة بهم. ولعل ذلك يدفعنا الى المطالبة بعدم السماح لأعضاء الشورى، لا سيما الذين تتنازعهم عوامل نفسية متعددة بالكتابة في الصحف، ودفعهم لبذل جهودهم وحصرها في خدمة المجلس ومن يمثله لا في خدمة قضاياهم الشخصية، فبعضهم يخرج على الإعلام وهو محسوب على المجلس، فيما آراؤه في الواقع لا تمثل إلا نفسه. بقي أن نشير إلى ضرورة أن تراعي الصحف السعودية المهنية في ما يتم طرحه ونشره، لا أن تفتح أبوابها أمام المتسلقين للصعود على أكتافها، من خلال إعطائهم مساحات لقذف زملاء لهم. فيا «جارة الوادي» إلا حسن الجوار.