بينما يعيش أكثر من ثلاثة ملايين حاج في المشاعر المقدسة على وقع الضجيج الناجم عن أصوات حافلات النقل والدراجات النارية وأحاديث الحجاج، يقضي الحاج الأبكم والأصم علي حشروف (20عاماً) ما يمكن وصفه أهدى رحلة حج كونه أدى الفريضة بكل طمأنينة ودون أن يسمع ما يجرح صيامه، أو ينغص نومه داخل مخيمات منى. ويشعر حشروف بطمأنينة وهدوء منذ قدومه إلى المشاعر المقدسة لأداء فريضة الحج عكس الملايين الذين قضوا أيام حجهم وسط الضجيج، واستغل الشاب فقدانه للنطق ليعيش «الحج» في جو مختلف ويسوده الهدوء. ومنحت لغة الإشارة طمأنينة أكثر للحشروف في المشاعر، إذ بدت أفضل من الضجيج والأصوات المختلفة التي يصدرها بقية الحجاج ممن منحهم الله كامل الحواس الأمر الذي تسبب في فقدانهم لرحلة حج هادئة. ويقول الشاب علي حشروف «نحن في هذه الحياة من المستحيل أن نكون متشابهين في كل شيء، ففي عالمنا يوجد الفقير والغني، والعامل والعالم، ويوجد المريض، وغيرها من العاهات سواء العقلية أو تلك التي تحدث في الخلق وهي فقدان النظر أو السمع أو عدم النطق وغيرها من الأشياء الأخرى». ويوضح حشروف، وهو في طريقه للخروج من منى إلى الجمرات، أن الفئة التي ينتمي لها «أحب الله سبحانه أن يبتليهم ليرى مكانة الصبر في قلوبهم هذه الفئة كبقية البشر لا تختلف عنهم في شيء لا في قلوبهم ولا في عقولهم بل يوجد من يمتلك عقلاً فذاً وروحاً من النادر أن نراها عند بقية البشر، وللأسف فإن تعاملنا مع هؤلاء الأشخاص قليل أو نادر بشكل أصح». وتلحظ حجم التفاؤل في وجه علي حشروف أثناء سيره في مشعر منى، وهو يتحدث إلى زملائه بحركة اليدين، إذ يؤدي مناسك الحج بكل هدوء وسكينة، ولا يسمع سوى صوت قلبه الذي يناجي ربه في المشاعر المقدسة. وتعلم حشروف أداء مناسك الحج عبر قراءته لكتب الشريعة المتخصصة في مناسك الحج التي يؤدي للمرة الأولى في حياته، ولم تمنعه إعاقته في إكمال مسيرة هذه الحياة من إكمال دراسته، أو سعيه للحصول على وظيفة تناسب حالته. ويدرس حشروف في السنة الرابعة بكلية الاتصالات وتقنية المعلومات في الرياض، ومن إرادته وعزيمته أصبح من المتفوقين وسيطبق بحث تخرجه في إمارة منطقة جازان، إذ يعتمد في مخاطبته لمن لا يعرفون لغة الإشارة عن طريق الكتابة بالهاتف المحمول، علماً بأنه أبكم. ويوضح حشروف أنه يعيش حياته بشكل طبيعي من خلال ممارسة هوايات عدة منها كرة القدم والطائرة والسباحة، داعياً ذوي التحديات الخاصة إلى كسر الإعاقة من خلال الإقدام على الحياة بتحقيق أهدافهم.