تحفل الكتابات والأدبيات العربية، بتعبير «ثقافة الصورة» الذي يأتي غالباً في سياق سلبي، إذ تشكو تلك الكتابات من أن «ثقافة الصورة باتت طاغية ومهيمنة على مختلف الجوانب الثقافية، وهي ثقافة سطحية ومبتذلة قياساً الى فنون وإبداعات أخرى ذات قيمة فنية وجمالية عالية». لا شك في أن استخدام هذا التعبير على نحو سلبي ينطوي على جهل بقيمة الصورة التي تحظى باحترام كبير في دول متقدمة، وهي لها تقاليد وقواعد تتبع بهدف التأثير على الجمهور، وهي موضع اهتمام في سبيل الارتقاء بهذه الصورة وتطويرها... وإذا كانت الصورة، عموماً، على هذا النحو من الأهمية والتأثير، فلماذا يستخدم تعبير ثقافة الصورة على نحو سلبي في الكتابات النقدية العربية؟ اذا نظرنا الى هذا الموضوع على مستوى التلفزة سنجد ان مثل هذا المنحى السلبي مبرر، ذلك ان من بين مئات الفضائيات العربية لا نكاد نعثر إلا على نحو عشرين فضائية تستحق ان تُشاهد، وما تبقى عبارة عن «سقط المتاع». غالبية الفضائيات العربية تفشل في ان تترك أثراً بين المحطات والأقمار، ناهيك عن أسمائها المنسية. ثمة بالطبع أسباب عدة لمثل هذا الفشل والاخفاق، لكن السبب الرئيس يكمن في تجاهل أصحاب هذه الفضائيات لأهمية الصورة وقيمتها. الشاشة في مثل هذه الفضائيات الفاشلة تعج بالعبارات الإعلانية، وهي غير مريحة بصرياً ذلك ان القائمين عليها جعلوها منبراً للخطابة والدعاية، ولن يختلف الأمر كثيراً لو سمعت الكلمات ذاتها من الراديو، أو قرأتها في صحيفة، وهنا نصل الى ما يمكن تسميته ب «تجاهل خصوصية التلفزيون» بوصفه وسيلة بصرية أولا. الأمر الآخر الذي يبرر للنقاد استخدام مقولة «شيوع ثقافة الصورة» في شكل سلبي، هو أن العالم العربي بارع في تطويع التكنولوجيا الحديثة لأغراض وغايات متخلّفة، إذ يتعامل مع وسائل الاتصال الحديثة بذهنية قديمة لم تتخطَ عصر الناقة والجمل بعد. وفي حين تبذل فضائيات غربية جهوداً في استكشاف الفضاء وعوالم المحيطات والبحار وألغاز الكون كما نلحظ في برامج محطة «ناشيونال جيوغرافيك» مثلاً، فإن برامج الفضائيات العربية تعج بكل ما هو مبالغ من فتاوى دينية غريبة الى أخبار نجوم من الدرجة العاشرة وصولاً الى فضائيات تقدم وصفات سحرية للرشاقة والجمال والنضارة من دون أي سند علمي... بهذا المعنى فإن التلفزة، كوسيلة اتصال حديثة، ما زالت تُدار في عالمنا العربي ب «السوط والرسن»، بينما سخرها الآخرون على نحو جاد ومسؤول. من هنا لم يعد مستغرباً ان تذهب الكتابات الى نقد «هيمنة ثقافة الصورة» طالما ان هذه الصورة تقدم بأكثر الآليات تخلفاً، وكأن تراث «ألف ليلة وليلة» القائم على السرد والثرثرة، ما زال حاضراً ويفعل فعله، بينما تتراجع الصورة الى الوراء على اعتبار انها لا تستطيع إنقاذ الأرواح من غدر شهريار... وحدها حكايات شهرزاد قادرة على تحقيق هذه المعجزة.