بات الاستفتاء موضة رائجة تلجأ إليها المنابر الإعلامية، وهذه الاستفتاءات بنتائجها العشوائية المغلوطة، وعدم اعتمادها على أسس ومعايير علمية دقيقة، كما تفعل مراكز الأبحاث المحترمة، إنما تساهم في رواج كل ما هو «سخيف ومبتذل»، في حين يتراجع «الجاد والمميز» إلى أسفل القائمة. يقول خبر جديد ان المغنية اللبنانية هيفاء وهبي احتلت صدارة قائمة «أكثر النساء العربيات إثارة في وسائل الإعلام العربي»، بحسب استفتاء أجرته مجلة، ولسنا هنا لنشكِّك في نزاهة هذا الاستفتاء وحياده. لكن المعضلة أن التلفزة، هنا، تصبح موضع اتهام، فهي تنقل الصورة التي تصوغ الرأي العام - كما تقول النظريات الإعلامية - فتأتي النتائج، والحال هذه، على ضوء هذه الصور، ولو جرى الاستفتاء، افتراضاً، في غياب هذا الجهاز، واعتمد على الصوت فحسب، كون الفائزة مغنية، لما استطاعت هذه الاخيرة أن تجد لنفسها مكاناً في المنافسة، ناهيك عن الفوز. وكذلك لما تمكن عدد من نجوم الفضائيات اليوم من الوصول إلى هذه المكانة «الجليلة»! إذ تقال في هؤلاء أوصاف لعل أكثرها تخفيفاً: «الأسطورة». ذلك لا يعني أن الذهنية العربية تقدر فلسفة الصورة وجمالياتها وأبعادها ودلالاتها، بل يعني بالضبط أنها تتجاهل كل هذه الامور وتركز على الظواهر والقشور. إذ تلفت انتباه المشاهد العربي الصور الملونة الفاقعة الخالية من أي محتوى، لذلك تجد حتى استوديوات المحطات المرموقة غارقة في الألوان والأضواء، فتسمع وتشاهد نشرة أخبار عن الصراعات والحروب والكوارث وهي تأتي من مكان أشبه بكرنفال، مضاء على نحو مفرط، وسط ترف مبالغ فيه. وفقاً لذلك، فإن الصور المؤثرة التي تعرضها قناة «ناشيونال جيوغرافيك ابو ظبي»، مثلاً، لا تجذب الانتباه بمقدار ما تجذبه صورة عن حفلة راقصة، ذات ايقاع سريع، على فضائية من الدرجة العاشرة. حتى الدراما التلفزيونية التي نجحت في كل من مصر وسورية والخليج في السنوات الأخيرة، لم تنل شهرتها من كونها مادة بصرية، بل هي نجحت بسبب مدى جاذبية الحكاية ونجومية الممثل، فالدراما ما زالت تنجز وكأنها مستقاة من «ألف ليلة وليلة». طبعاً، هذا الأخير عمل أدبي فذ يثير الخيال، لكن صناع الدراما، عكس ذلك، ينهمكون بالحوارات المملة والثرثرة ويتناسون أنهم يقدمون عملاً لشاشة تُرى قبل أن تُسمع. طبعاً، السينمائيون، بصورة خاصة، طرحوا هذا الموضوع مراراً، وثمة محاولات سينمائية وتلفزيونية قليلة تسعى إلى تكريس احترام الصورة، غير ان المشاهد العربي يظل مصراً على خياراته في المشاهدة، والمشكلة أن التلفزة تهبط إلى مستوى تلك الخيارات بدلاً من «الارتقاء بالذائقة البصرية». وعلى رغم أن هذا تعبير فضفاض، لكن لا بد من الاستعانة به طالما تنتصر صورة هزّ الخصر، على صورة طفل جائع في أفريقيا.