تكاد الوقائع، ومجريات الأحداث تثبت بأنه ما من بَلَدٍ قافيته «ألِفٌ» و«نون» إلا وهو مرشح لزرع القلاقل والفتن أو استقبالها أو تصديرها، ولنا في «إيران» و«لبنان» و«أفغانستان» أمثلة حية طرية، وإن كانت الأولى سيدة الترشح والترشيح، والعاشقة حد الجنون للتدخل في الأنفاق المظلمة، وإضاءتها في ما بعد على الطريقة التي تحلو لها، وتتفق أولاً وأخيراً مع أوراقها وتوجيهات عمائمها. في حياتها اليومية، ترْتَدي «إيران» وَجْهين، الأول تخرج به حين تتحدث للعالم بوصفها دولة إسلامية ذات تأثر وتأثير، وهنا تطرق على وتر العاطفة، ممررة نفسها على أنها «الضعيفة المظلومة»، أما وجهها الثاني فتلبسه حين تستعد كل مساء للتخطيط برفقة الأصدقاء من ذوي المصالح المشتركة، لرسم الألعاب السياسية الرديئة، وأداء الأدوار التي يكشفها الوقت المتقلب تبعاً لتقلب المصالح، وتغير الأفكار التي تدور في الرؤوس. من أخطر ما تفعل السيدة «ذات الوجهين» إشغال الرأي العام، وتغيير بوصلة الاهتمام من وطن لآخر عبر إحْدَاثِ الفوضى المتقنة، وإشعال النيران المحْرِقَة، تسحب - بمكر – دائرة الاهتمام الدولي من قُطْرٍ لِقُطْر في ظرف ساعة واحدة من دون أن يَشُكَ متعلق بالشأن العام أن يكون لها أصابع سرية، أو نصف يد مستترة في الفعل والتفاعل، باختصار هي تمارس كل هذه الأدوار السرية، وتظهر أمام الملأ في دور البريء النقي. يَحْدُثُ أن نختلف في عالمنا المضطرب، ونختصم في شرقنا الأوسط المشتعل، على التقسيم الحقيقي لمحاور الخير، إنما سنتفق ونجتمع على تحديد محاور الشر والشك، وسنرمي حينها بالاختلاف والخصام جانباً، لأن المعطيات صريحة واضحة، وإن لم تكن «إيران» عميدة هذا المحور، فهي رقم مهم فيه. إيران تتمتع بشجاعة وجرأة لا مثيل لها، حين تلتفت لدول الجوار، وأصدقاء الحدود، وعندما تلمس أصوات مواطنيها الذين توزعتهم الجغرافيا، ويغريهم التاريخ في أن يكونوا ذات ثقل، إنما فات عليهم أنه يستحيل إحداث ثقل لَافِت في غياب العقل، وإن سلمنا جدلاً بوجوده في بضع لحظات فهو يكيل بمكيالين، ويؤدي مهام متناقضة بلسان واحد، وضمير لا يمكن الحكم بنقاوته، وعلى الوجه الآخر تأخذها ملامح الجبن والضعف والانكسار، حين يسلط الكبار أضواء الرقابة عليها، ويبدأون في نبش الملفات، ومراجعة التصاريح المنفلتة، ويضعونها تحت المجهر. أن تكون «إيران» خلف كل الملفات الشائكة، ووراء الألغاز المستعصية - زمناً - على الحل، على رغم التصالح والتغافل، وغض الطرف، وتصديق الأقوال، فذاك ما يتطلب يقظةً تامةً في المقبل من الأيام، وتركيزاً لا يسمح لمرور خيط بسيط من حسن النيات، فأكثر الحكايات التي صفعتنا بها الأيام كانت من تأليفها وحبكها. المرحلة المقبلة تستدعي ترتيب أولويات الأعداء ومحاور الشر والشك، وتتطلب أن نعرف من هم الذين يرتدون وجهاً واحداً؟ وأولئك الذين يرتدون وجهين؟ وبعد أن نعرف لماذا هم يتلونون هكذا؟ نصرح بهم، ونعمل على إيقافهم بما لا يؤثر علينا، ولا يبتلينا بهم، «إيران» أولهم وأكثرهم ضجيجاً، فهي تقول ما لا تفعل، وتفعل ما لا تقول. [email protected] @alialqassmi