حتى وإن كنت لا أحب الاقتراب من الملف السياسي حد الإمكان والقدرة، إلا أني في حالات الأرق المفاجئ الشديد اتجه لطريقتي الوحيدة في الحصول على صداع متفاوت يذهب بي للفراش مباشرة، وهي مطاردة أوراق الملفات السياسية عبر قراءة صحيفة أو متابعة قناة. لساعات متتالية توقفت أمام وجوه مختلفة للمشهد الانتخابي للرئاسة الإيرانية، وهو المشهد ذاته الذي اكتفيت عنه بالنتائج للانتخابات البرلمانية اللبنانية للفارق الكبير بين كراسي البرلمان والأخرى الإخوة الكبار للسيدة / الرئاسة، المشهد متساوٍ على مستوى الشكل في الدولتين، أما المضمون فمختلف تماماً مع الفارق البديهي في الطموحات والمكاسب، في لبنان كان التنافس شديداً بين ربطات العنق مع الحضور الشرفي الرمزي للعمائم، فيما في إيران لعبت «العمامة» دوراً بارعاً في كراسي الترشيح الرئاسي وتصادمتا كثيراً مع ربطات العنق التي يتوقع في أي توقيت أن ترتدي العمامة الفاخرة، لكنها حضرت هنا تحديداً لتغيير الوجه بالكامل، ذلك الذي انحصر في نظر الآخرين لصالح العمامة، وربما كان من حظ لبنان أن انتخاباتها سبقت الانتخابات الإيرانية وإلا لكانت العمامة حاضرة بشكل أكبر وساحبة البساط من الأكثر حضوراً «الربطة» في ظل قولٍ متهور - لمتهور - حين يشاهد الصراع اللبناني فيقول إن عاصمة لبنان هي طهران، وحتى لا أضيع وسط هذه اللعبة الصعبة، ويذهب بي تهور القول إلى قلق، وبالآخرين إلى الزوايا الضيقة من الفهم، إلا أني مقتنع حد الإيمان بأن ما من أرض قافيتها ألف ونون إلا وهي مرشحة مهيأة لصناعة القلق والخوف والضجيج واندلاع النيران الكلامية في أقل الأحوال. لبنان رتبت حقائبها 128 بتحكيم عقلي مقنع وبدأت الخطوات الأولى لخط سير جديد، قد يتعرض لتقلبات جو إلا أن التشكيلة المنتقاة قد تعالج كل لفحة هواء أو هبوب لا يليق! أما هناك في إيران فقد كانت انتخابات تصفية حسابات، كما جاز لي أن أطلق عليها، فالقناعات عن البعض متوترة وتبادل الاتهامات والتعابير القاسية على قدم وساق، ولعل ذلك مؤشر على أن الحضور الخارجي المتوتر لإيران انطلق من الداخل حين تفاوتت المصالح وتباينت الرغبات وانقسمت الآراء، ومع ذلك لا تزال ترمى القناعات رمياً ويتم حشوها في التركيبة بأن مهد الديموقراطية في الشرق الأوسط «إيران». فاز محمود أحمدي نجاد لأنه أشعل حماس البسطاء الذين تشبه بهم مظهراً، فهو صاحب شهادة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية، وتربى على يد والده الذي عمل في الحدادة «أي كان بسيطاً»، لم يكسب الشخصيات السياسية الكبرى، لأنه آمن بفارق العدد في الأصوات لا فارق الشخصية، ولأن البلاد أكثر فقراً وبساطة من حيث العدد فحظي بالدعم الفطري المباشر المبني على العاطفة لا على قراءة المستقبل، حيث ان العقل المنتخب والمصوت على الأغلب ابعد من مستوى القراءة لمستقبل مجهول، انتهت الحمى ببقايا ستترك أثراً لن يزول في القريب، وستحدث ارتفاعاً في الضغط لدى عشاق الشخصيات السياسية العملاقة التي لعبت بالأوراق بلا توازن، أو ظهرت أمام الكراسي بتفكير سطحي لا يتجاوز حدود الحصول على المقعد الأهم والمتحرك من الخلف بلا شعور، القادم على السطح الايراني يكمن في الفارق المختبىء تحت اجندة الأهداف والشعارات التي استهدفت القلوب قبل العقول، الآن انتهى دور القلوب، بقيت المساحة مفتوحة للعقول التي ستنطلق بلا قلوب! علي القاسمي [email protected]