لدينا إيمان تام بأن السيد / المسؤول الحكومي لن يغادر كرسيه، أو يتم إعفاؤه من منصبه، إلا عند ثلاث حالات مشهورة: «الموت، بلوغ السن التقاعدية، التدوير»، ولعل الحال الأولى لا مجال للمراوغة حولها وانتظارها أحياناً يطول، وهي إعفاء يتحدث عن نفسه، إنما نجاهد في الحال الثانية لمنح «الديناصور» الحكومي تمديداً استثنائياً تعتمد مدته على علاقة صاحب التمديد بصانع قرار التمديد، وفي الحال الثالثة نذهب بالمسؤول، أياً كانت جهوده ونشاطاته، إلى مكان أعلى، وفي ما لو كان هناك ضجيج قد يحدثه هذا الذهاب فسنضعه في المنصب الأفضل والأجمل والأكمل والأسهل «مستشار». ربما يفزع لي قارئ بحال رابعة تتلخص في «بناء على طلبه»، لكن هذه الحال قد ترتبط أولاً بحالتنا الثالثة ارتباطاً «ما»، وتستخدم ثانياً في أضيق الحدود، وبالتحديد حين يملأ المسؤول مكانه بالأسئلة والاستفهامات والتقصير، وتكثر عليه الدوائر، أو لم يعد مواكباً للزمن والتغيرات المتجددة، ومن هنا استخلص الميزة الوحيدة من كل هذا الصداع، وهي أننا مجتمع يقدر المسؤول ويحبه حباً جارفاً، لدرجة الخوف على مشاعره والحياء منه كثيراً، فلا نحاول جرحه ما دام حياً، وقادراً على الكلام والمشي ومتمكناً من أداء مهمة «التوقيع»، وهي المهمة ذات الوجهين «الأسهل / الأصعب»، هو وفاء بالمعنى الشعبي الدارج، لكن هذا الوفاء أدخلنا في أزمة كراسٍ ثابتة، مثل المسمار، وحولها ألف كرسي يتحرك ويتقدم، النقطة المفصلية تكمن في أن الكراسي الحكومية الثابتة تقول «لا» لكل رأي جديد، وتصر على «نعم» حين يقول الجميع «لا». هذه المرة حققت وزارة الصحة فتحاً عظيماً، وأضافت حالاً لافتة في قرارات التغيير لمسؤوليها الحكوميين، حين قامت، دفعة واحدة، بتغيير أربعة من طواقمها القيادية لثلاث مناطق ومحافظة واحدة، أحدهم غادر الكرسي لبلوغه السن التقاعدية، وعدم رغبته في التمديد، وهنا إشارة إلى أنه لو رغب في التمديد فسنفعل جهاد الحال الثانية، ونراوغ عن مسألة التغيير والإعفاء، أما الثلاثة الآخرون فقد تم إعفاؤهم، بناءً على طلبهم لظروفهم الخاصة، وهنا «الحال الرابعة بالضبط»، التي قد تتبناها وزاراتنا وأجهزتنا الحكومية بشجاعة، لأنها جمعت الحسنيين «غيّرت المسؤول» وتركته يبعد بشجاعة، وفعّلت العامل الإنساني المتمثل في تقدير الظروف الخاصة. كم من مسؤول لديه ظروف خاصة ولم يتم إعفاؤه ولو حتى بإحضار التوطئة الخلوقة «بناءً على طلبه»، ولماذا لا نملك الشجاعة في التغيير ، والإعفاء من دون الاستناد إلى طلب أو سن تقاعدية، ومن دون التلميح بظروف خاصة غريبة قادت أحدهم لمنصب «مستشار»، ومكنته من أداء عمله الطبي، مع الأسف، حتى ونحن نقود قطار التغيير البطيء نخجل من أن نقول تم إعفاء المسؤول وإحلال مسؤول آخر، الثقة في القرارات مطلب ملح إلا إذا كان التغيير إسكاتاً لأصوات تطالب به ولشكاوى متلاحقة وليس لمعالجة أوجه التقصير والخلل والتصحيح، فهذا شأن آخر لم أكتب من أجله، ولكني سأظل موجوعاً جداً بسببه. [email protected] alialqassmi@