ذكرت صحيفة «المرصد» الإلكترونية أن محكمة أميركية قضت بالحكم على امرأة بالسجن 99 سنة، لضربها ابنتها البالغة من العمر سنتين، وإلصاق يديها على الجدار لأنها لم تتعلّم تجنب التبوّل على ثيابها، وبحسب تقرير الطبيب الشرعي فإن الطفلة أصيبت بنزيف دماغي مع كسر في الأضلاع ورضوض متفرِّقة في الجسد، فبقيت فاقدة لوعيها لأيام عدة، ولأن القاضي لم يتهاون في تشخيص الحالة المرضية للأم فقد وصفها بالمسخ المتوحش وعملها بالمقزز، غير متراجِعٍ عن حكمه لأنها أم غير مؤهلة وتنتمي إلى المجموعة الإجرامية وتصنيف الشخصيات السيكوباتية، وهو الحكم الذي يثلج الصدر لمن يعي قيمة الأم وخطورة التربية، فماذا لو خفف القاضي حكمه بسنة أو بشهور وخرجت الأم وواصلت مشوارها اللئيم مع ابنتها؟ هذا إذا لم تسحبها رعاية الشؤون الاجتماعية من حضانتها، ولكن لنفترض بسيناريو متخيّل أن تظل هذه الأم مسؤولة عن نقش كلماتها الشيطانية في صفحة ابنتها، فما المتوقع لتلك الابنة أن تكون عليه في المستقبل؟! قد نقرأ الخبر ونستغرب طول مدة الحكم، لأن ثقافتنا عودتنا أن الأبناء ملك لآبائهم وأمهاتهم يفعلوا بهم ما يشاؤون، وعلى الابن والابنة السمع والطاعة بكل عقدهما النفسية والعصبية، حتى أنك لا تجد من ينصف حال الابن، فإن وجد المنصِف فلا ينسى أن يختم إنصافه بالتذكير بحقوق الأب والأم، فمن يتذكر حق الابن المظلوم؟ نعم، هناك أمهات لا يستحققن أمومتهن، أمهات امتهنَّ المتاجرة بأمومتهن ببطاقة رابحة يخرجنها عند اللزوم باسم «الأم»، مبللة بدمعتين لتمثيل الحرقة المزيّفة، فيأتي المجتمع فيصدِّق الأم، ويكذِّب الابن الذي لو حاول - مجرد محاولة - أن ينوّه بحقوقه وحدوده التي لم يحترمها أبواه لاتهم بالعقوق وبمخالفة أوامر الله، فماذا إن كان الابن يخاف الله في والديه أكثر مما يفعل والداه؟ هل خطر هذا الشيء على البال؟! وما شكواه إلّا لتصميمه على أن تصل رسالته إلى أبويه: «خافا الله في ابنكما»، ولو كنّا نعيش في وسطٍ يستوعب ما تعنيه نفسية الإنسان السوية لحاول عقلاء المجتمع التخفيف من معاناة الأبناء مع والديهم، بالوقوف بجانب الحق أينما يكون، أقلها حتى لا يستمرئ الأبوان في ظلمهما. الأب أو الأم في مجتمعاتنا لهما الحرية في ضرب ابنهما وإهانته والتفوّه عليه بكل الألفاظ الجارحة، وكأن هذا المخلوق لا قلب له ولا كرامة، في معادلة كئيبة لا تخرج عن قاهِر ومقهور، ومن المحزِّن أن تتواصل مسيرة القهر، فيتطبّع الابن بالعلاقة العليلة ويطبّقها في أبنائه لاحقاً، فنادراً من تمتلئ نفسه بالرحمة والحنان بعد أن تقطِّعه الجروح وتنزف دماؤه من الوريد إلى الوريد بقسوة أقرب القلوب إليه، ولا يجد من يستهجن إيذاءهما، فأي ألم أكبر! وأية ثقة بالبشر بعد خيانة الأب والأم لأمانتهما، وقد بكت السمكة يوماً وقالت للبحر أنت لا تشعر بدموعي لأنها ضائعة فيك، فرد عليها البحر وقال: «وكيف لا أشعر بدمعك وأنتِ في قلبي»، وهو أصل القصة: إنه «الحب»، فابحث عن الحب (ومن المفترض أن يكون فطرياً) في قلب أب وأم فضّلا مصلحتهما وتغلّبت فيهما أنانيتهما وغيرتهما على مصلحة أبنائهما وحبهما. قيل للأب قلب، وللأم قلبان، فاستبدلت القلوب بحافظات النقود، وعلى ضوئها يكون تقدير الابن في نظر أبويه، فبمقياس سخاء الابن المادي مع أبويه يكون رضاهما عنه وتمييزه عن بقية إخوانه، فأية قدسية أهينت في زمن صعب؟ والأصعب أن يبلع الابن الشعور بقهره في داخله ويحلف بحياة أبويه ويدعو لهما أمام الناس، وهو يسأل نفسه: أأكون منافقاً أم متجمِّلاً؟ نعم هذه بعض من نماذج تحيا وتمشي بيننا ولا نلحظها لأنها صبرت على ابتلائها واحتسبت أجرها على الله، ولكل ابن حباه الله بأبوين رائعين - أو لنقل معقولين- ولم يعرف معنى أن يُفجع فيمن كانا السبب في وجوده، أرجوك لا تسخِّف من معاناة من حرم هذه النعمة، فأول حظ للمرء في دنياه هو أبواه، فإن نكِّس حظه فهو ما لا حيلة له به ولكنه تعوّد أن يتجمّل. كاتبة سعودية [email protected]