انتفض القضاة في مصر ضد قرار الرئيس محمد مرسي إقصاء النائب العام عبدالمجيد محمود من منصبه عبر الالتفاف على قانون السلطة القضائية الذي يمنع إقالة النائب العام، بتعيينه سفيراً لمصر لدى الفاتيكان. وأعلن نادي القضاة تضامنه مع محمود وطالبه بعدم ترك منصبه، خصوصاً بعد أن أعلن الأخير أنه باقٍ في منصبه بقوة القانون وأنه لم يستقل، متحدثاً عن ضغوط مورست عليه من مؤسسة الرئاسة للتقدم باستقالته لكنه رفضها. وبذلك وضع محمود الرئيس أمام معضلة، إذ سعى الأخير إلى امتصاص غضب الشارع من الحكم بتبرئة كل المتهمين في قضية «موقعة الجمل» بإبعاد النائب العام، لكنه واجه مأزقاً قانونياً بسبب هذا القرار الذي يخالف صحيح القانون، خصوصاً بعد تمسك محمود بمنصبه. وعُلم أن جماعة «الإخوان المسلمين» وقوى أخرى قد تلجأ إلى حشد أنصارها أمام مبنى دار القضاء العالي اليوم لمنع محمود من دخول مكتبه وإجباره على الاستقالة. وقال مساعد وزير العدل هشام رؤوف ل «الحياة»: «طالما أعلن النائب العام أنه لا يقبل المنصب الجديد سفيراً لمصر لدى الفاتيكان، فهو باقٍ في موقعه بقوة القانون، والأمر انتهى عند هذا الحد». واستبعد رؤوف أن تلجأ جماعة «الإخوان» إلى منع محمود من دخول مكتبه عن طريق الحشد. وقال: «كلي ثقة بأن هذا لن يحدث، لأننا في دولة تحترم سيادة القانون، وأول هذه الأسس احترام سيادة القضاء... لا سبيل لترك النائب العام منصبه إلا بموافقته». من جانبه، أكد الناطق باسم جماعة «الإخوان» محمود غزلان ل «الحياة»، أن الرئاسة اتخذت قراراً بإبعاد النائب العام «بعد الحصول على موافقته على الاستقالة، لكنه فاجأ الجميع بالتراجع عنها». وقال إن «النائب العام شخص عيَّنه (الرئيس السابق حسني) مبارك وقام بدور سيئ جداً خلال الفترة الماضية، ويكفي أن 40 ألفاً من أعضاء الإخوان اعتقلوا في فترة ولايته ولم يقدم إلا عدداً قليلاً جداً لمحاكمات عسكرية، واستخدم الحبس الاحتياطي عقوبة ضدنا. هو رجل النظام السابق، وكان يفترض أن يستقيل بعد الثورة، لكنه للأسف تمسك بأن القانون يمنع عزله»، مضيفاً: «على النائب العام احترام إرادة الجماهير التي تهتف بعزله والتنحي طواعية عن منصبه». من جانبه، قال القائم بأعمال رئيس حزب «الحرية والعدالة» عصام العريان في تدوينة على موقع «تويتر»: «أهمس لعبدالمجيد محمود: الخيار الأفضل لك قبول المنصب بكرامة. فكر جيداً. الخيارات الأخرى صعبة». وقال مساعد وزير العدل إن هناك معلومات لا يستطيع تأكيدها عن أن النائب العام قبل الاستقالة ثم تراجع عنها. وأضاف ل «الحياة»: «إن كان هذا حدث، فهو أمر مؤسف ومن الممكن أن يتسبب بأزمة كبرى بين القضاة والرئاسة». وانتقد تحرك نادي القضاة في هذه الأزمة، معتبراً أنه «يشعل الفتنة». وكان نادي القضاة دعا محمود إلى عدم ترك منصبه والاستمرار في عمله، معلناً تأييده له وعقْد جمعية عمومية لعموم قضاة مصر غداً لاتخاذ خطوات لمجابهة قرار إقالة النائب العام. وخاطب رئيس نادي القضاة أحمد الزند الرئيس خلال اجتماع مجلس ادارة النادي أمس بحضور مئات القضاة، قائلاً: «نحن من أتينا بك إلى سدة الحكم، ومضى عهد الحكام الديكتاتوريين... كل هذه المشاكل والأزمات يصنعها بعض من مستشاريك وبعض ممن يحسبون أنفسهم عليك، سواء كانوا في جماعة الإخوان أو حزبها... قل لمن حولك كفوا عن إهانة القضاة». وتساءل الزند: «إذا كان القضاء فاسداً، وهو أشرف ما في الأمة، فكيف ببقية السلطات؟». وقال: «لن نخضع لوعيد أو تهديد أو مهاترات، والله عصي عليكم أن تؤثروا على معاون للنائب العام... نعلم أنكم تملكون العدد والعدة والكتائب الإلكترونية لكن هذا لا يرهبنا ولا يرعبنا نعلم أنكم تملكون العتاد وما يمكن أن تروعونا به، لكن نضحي بأرواحنا ولا نضحي بقضاء مصر». وتساءل: «ما شأن النائب العام ورجال النيابة العامة بقضية موقعة الجمل، والنيابة لم تقترب منها؟»، في إشارة إلى أن من تولى التحقيقات هو قاض مكلف من وزارة العدل. وقال: «هل تريد يا شعب مصر أن يُقضى على القضاء، هل تتركوننا لقمة سائغة، إن كان يرضيكم هذا فنحن راضون... يا شعب مصر لا تتركوا قضاءكم وحده يصارع في الميدان ويتلقى الضربات تلو الضربات». وشدد على أن «قضاة مصر متمسكون ببقاء النائب العام في منصبه إعلاء لسيادة حكم القانون ولمبدأ الفصل بين السلطات وتفعيلاً لقانون السلطة القضائية». ونقلت «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية عن مسؤول قضائي لم تسمه «استنكاره الشديد لقيام بعض القوى السياسية الحزبية باستخدام الأحكام القضائية في محاولة لتحقيق مكاسب سياسية ومصالح شخصية ضيقة على حساب تحقيق العدالة»، مؤكداً أن «مثل هذا الأمر من شأنه أن يضر أبلغ الضرر بالعدالة ومنظومة القضاء في مصر ككل». ورأى أن «بعض القوى السياسية استغل الحكم الصادر ببراءة جميع المتهمين من رموز النظام السابق في قضية موقعة الجمل في الهجوم على النائب العام، في محاولة لخداع المواطنين والبسطاء والتغطية على حال التراجع الشعبي التي يعانون منها». وكانت وزارة الداخلية بدأت أمس إطلاق سراح مسؤولي النظام السابق الحاصلين على أحكام بالبراءة في قضية موقعة الجمل. من جهة أخرى، أعرب وكيل مؤسسي «حزب المؤتمر» عمرو موسى عن رفضه تدخل الرئيس في السلطة القضائية وإقالة النائب العام بما يخالف القانون، وقال: «أرفض بكل قوة تدخل السلطة التنفيذية في مسار السلطة القضائية والمساس بمركز النائب العام بما يخالف قانون السلطة القضائية». ورأى أن «طموح المصريين في مستقبل مستقر لبلادنا يعتمد على حكم القانون ودولة القانون وليس دولة الفرد والحكم القائم على مصلحة حزب أو جماعة». وانتقد رئيس حزب «غد الثورة» أيمن نور قرار إقالة النائب العام، واعتبره «انتهاكاً للقانون ومحاولة لتسييس القضاء». وقال إن «إصدار الرئيس مثل هذا القرار ولديه مستشارون قامات في القوانين، يعتبر كارثة». ودعا «مجلس أمناء الثورة» الذي يقوده الداعية القريب من «الإخوان» صفوت حجازي «القوى الثورية كافة إلى الاعتصام أمام مكتب النائب العام لمنعه من دخوله». وقال في بيان إن إقالة النائب العام «مطلب ثوري منذ اليوم الأول لثورة 25 يناير لتخاذله في أداء مهام وظيفته كنائب عن الشعب، يملك سلطة التحقيق والادعاء».