فيما سعى رئيس البرلمان المصري سعد الكتاتني إلى تدارك الأزمة بين البرلمان والقضاء، متعهداً ب «احترام أحكام المحكمة الدستورية، سواء في شأن قانون العزل السياسي أو بطلان الانتخابات البرلمانية»، ومشدداً على أن البرلمان «لن يتدخل في أحكام القضاء»، صعَّد قضاة تحركهم في مواجهة البرلمان، وتقدموا ببلاغات ضد نواب في مجلس الشعب بتهمة «السب والقذف»، ما دعا مصادر عسكرية إلى مطالبة كل الأطراف ب «التزام أحكام الدستور والقانون ومراعاة عدم تدخل سلطة في أعمال سلطة أخرى». وكانت أزمة بين السلطتين التشريعية والقضائية نشبت في أعقاب انتقاد نواب في البرلمان الأحكام القضائية التي صدرت في حق الرئيس السابق حسني مبارك ورجال نظامه، ومطالبتهم بإقالة النائب العام المصري، ما دعا رئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند إلى شنِّ هجوم عنيف على البرلمان. وعقد رئيس البرلمان سعد الكتاتني مؤتمراً صحافيّاً أمس، دافع فيه عن النواب، وأكد أنه لن يرد على اتهامات الزند. وتطرق إلى مناقشة المحكمة الدستورية لقانون العزل السياسي الذي يطالب نشطاء بتطبيقه في حق الفريق أحمد شفيق الذي يخوض جولة الإعادة، وكذلك قانون مجلس الشعب الذي قد يقضي ببطلان الانتخابات وحلِّ البرلمان. وأكد الكتاتني أن المجلس سينفذ حكم المحكمة الدستورية مهما كان، ولن يتدخل في أحكام القضاء، لكنه عاد وقال إن «المحكمة ليست سلطة تنفيذ... عليها أن تحكم، لكننا نواجه مشكلة، لأن الإعلان الدستوري لم ينص على حق أي جهة في حلِّ مجلس الشعب». وتابع: «إذا صدر حكم نهائي بحلِّ المجلس، لا نجد غضاضة في أن نعود إلى الجماهير مرة أخرى... للدستورية العليا أن تقرر ما تشاء ولا ولاية لأحد عليها إلا ما يمليه عليها ضميرها». ووعد بأن المجلس سينظر في تطبيق قرار المحكمة أيّاً كان، إعلاءً للقانون ولسيادة القضاء، كما أكد أن مجلس الشعب سيحترم حكم المحكمة الدستورية بخصوص تعديلات قانون ممارسة الحقوق السياسية المعروف إعلاميّاً ب «قانون العزل» مهما كان. وشدد على أن البرلمان «لن يتدخل في أحكام القضاء». وأرجع الكتاتني تأخر المجلس في إصدار القانون إلى أن النواب لم يكونوا ملتفتين إلى أهمية المسارعة بإصداره إلى أن فوجئوا بإقدام بعض رموز النظام القديم على الترشح لمنصب رئيس الجمهورية. وكانت المحكمة الدستورية العليا حددت يوم الخميس المقبل موعداً للنظر في الطعون في قانونين يتعلقان بالانتخابات البرلمانية والرئاسية قبل يومين من جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة. ومن شأن تحديد مدى دستورية التعديلات الفصل في أحقية المرشح الرئاسي أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك في خوض انتخابات الرئاسة. ودافع رئيس البرلمان عن نواب مجلس الشعب، مؤكداً أن المجلس لم ولن يتدخل في شؤون السلطة القضائية وإنما يتعاون معها من منطلق الفصل بين السلطات، وأن المناقشات في المجلس لم تتناول الحكم الذي صدر ضد الرئيس المخلوع وأعوانه و «إنما عبَّر النواب عن نبض الشارع في هذا الشأن». وقال الكتاتني: «فوجئنا الخميس الماضي بسيل من التهديدات والاتهامات من رئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند للبرلمان ونوابه وصلت إلى حد التلويح بعدم تطبيق القوانين التي يقرها البرلمان الحالي، وهو ما دفعني إلى مطالبة رئيس مجلس القضاء الأعلى المستشار حسام الغرياني أن يوضح موقف السلطة القضائية من هذه التصريحات التي تُعَدّ تجاوزاً في حق السلطة الوحيدة صاحبة الحق في الرقابة والتشريع وهي الوحيدة المعبرة عن الشعب المصري». وأكد أن المستشار الزند هو المطالَب بالاعتذار لمجلس الشعب وليس العكس. وكان الزند اعتبر في مؤتمر صحافي عقده قبل أيام للرد على الهجوم الذي شنَّه برلمانيون على القضاء المصري بشأن أحكام مبارك، أن البرلمان الجديد بات «شوكة في خاصرة مصر»، ووصف الإخوان ب «طيور الظلام». غير أن الكتاتني رأى أن الأزمة بين القضاء والبرلمان «سحابة صيف وسوف تمر». وقال: «إننا نؤكد تقديرنا واحترامنا لقضاة مصر الشرفاء، الذين يرسخون بأحكامهم سيادة القانون، ولن أرد على إهانات الزند، وأقول إن كل مشروعات القوانين المتعلقة بالسلطة القضائية قدَّمها قضاة حاليون وسابقون، وتُرسِّخ لاستقلال القضاء بشكل لا يقبل التدخل من أي جهة أخرى». وفي ما بدا وكأنه اتجاه نحو تصعيد متزايد من جانب القضاة ضد نواب البرلمان المصري، شرع المئات من قضاة مصر في إعداد بلاغات قضائية وتقديمها إلى النيابة العامة ضد عدد من أعضاء مجلس الشعب متهمين إياهم بالسب والقذف في حقهم والتطاول عليهم وتناول الأحكام القضائية بالنقد والتجريح على نحو يشكل إهانة للسلطة القضائية وتدخلاً في أعمالها على نحو يشكل تغولاً من السلطة التشريعية على السلطة القضائية. وطالب مقدمو البلاغات (التي تم تسليمها إلى نادي قضاة مصر، في ضوء التفويض الصادر من جموع القضاة للنادي بتولي إرسال تلك البلاغات إلى النائب العام) بضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية ضد هؤلاء النواب «ليستقر في أذهان الجميع، حكّاماً ومحكومين، أنه لا أحد فوق القانون، وأن الحصانة بأنواعها ليست ستاراً يتخفى وراءه كل من يريد أن يعبث بأمن هذا الوطن». وأكد القضاة في بلاغاتهم «أن الحصانة واجب ملقى على عاتق من منحت له، تأكيداً لأهمية الرسالة التي يؤديها وليست منحة شخصية يعبث بها من يشاء». وعقّب المستشار أحمد الزند قائلاً في تصريح له، إن «قضاة مصر لن يقفوا مكتوفي الأيدي بعد اليوم في مواجهة أي تجاوزات أو مساس بهيبتهم ووقارهم وأدائهم رسالتهم السامية على الوجه الأكمل». وأشار إلى أنه بذل طيلة الأيام الماضية جهوداً حثيثة لإقناع المئات من رجال القضاء بالعدول عن قرارهم الامتناع عن الإشراف القضائي على جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية احتجاجاً على «الهجمة الشرسة التي تعرضوا لها من جانب عدد من أعضاء مجلس الشعب وعدد من الذين لا يريدون لمصر أمناً أو سلامة أو استقراراً». من جهة أخرى، أكد المجلس العسكري تقديره وثقته الكاملة في قضاء مصر واللجنة العليا للانتخابات الرئاسية وأعضائها، وشدد على ضرورة التزام السلطات كافة بأحكام الدستور والقانون ومراعاة عدم تدخل سلطة في أعمال سلطة أخرى. وقال مصدر عسكري مسؤول ل «الحياة» أمس، إن مصر «تمر بمرحلة بالغة الأهمية والدقة، ولذلك فإنه انطلاقاً من مسؤوليته الوطنية (المجلس العسكري) وإدراكاً منه لأهمية وحدة الصف، فإنه يرى أن على كل سلطات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية التعاون والتكاتف والاعتصام بالثوابت الوطنية حتى نتمكن سويّاً من تحقيق طموحات شعبنا في الانتقال الديموقراطي للسلطة والعبور بالوطن إلى برِّ الأمان». وأضاف: «إننا على يقين من قدرتنا جميعاً على الوفاء بأمانة المسؤولية تجاه الشعب طالما تسلحنا بصدق النيّات وصلابة العزم». على صعيد آخر، قررت محكمة مصرية أمس استدعاء المرشح الرئاسي أحمد شفيق ونشطاء وإعلاميين للإدلاء بشهاداتهم في قضية قتل المتظاهرين المعروفة إعلاميّاً ب «موقعه الجمل»، والمتهم فيها 24 من كبار رجال النظام السابق في مقدمهم رئيسا مجلس الشعب السابق فتحي سرور ومجلس الشورى السابق صفوت الشريف، إضافة إلى وزراء سابقين ورجال أعمال. وحددت المحكمة اليوم (الأحد) للاستماع إلى ثلاثة من الإعلاميين هم توفيق عكاشة، وخيري رمضان، وسيد علي، كما حددت غداً (الاثنين) للاستماع إلى شهادة الفريق أحمد شفيق الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء وقت حصول الأحداث، وقائد المنطقة العسكرية المركزية عضو المجلس العسكري اللواء حسن الرويني، والناشط السياسي ممدوح حمزة، كما حددت بعد غد (الثلثاء) للاستماع إلى شهادة القيادي في جماعة «الإخوان» النائب محمد البلتاجي والداعية الدكتور صفوت حجازي. وكان الدفاع في القضية المتهم فيها رموز النظام السابق وقيادات الحزب الوطني «المنحل» ورجال أعمال، طالب في جلسة أمس بالاستماع إلى شهادة كل من اللواء الرويني وشفيق والبلتاجي متهماً جماعة «الإخوان المسلمين» بالتخطيط للمعركة التي دارت رحاها في ميدان التحرير في 2 شباط (فبراير) العام الماضي، الأمر الذي استجابت له المحكمة في نهاية الجلسة. وكلفت المحكمة النيابة العامة بإحضار صورة من شهادة عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق في محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك وما تضمنته تلك الشهادة في شأن اعتداءات موقعة الجمل، وإحضار صورة من الحكم الصادر في القضية لضمها إليها، وأن تقوم النيابة بإحضار وسائل العرض الفنية اللازمة لعرض المقاطع المصورة للبرامج التلفزيونية التي ظهر فيها الشهود. وكانت جلسة أمس شهدت أحداثاً ساخنة حينما تقدم عدد من دفاع المتهمين بطلبات جديدة في ضوء ما كشف عنه المرشح الرئاسي أحمد شفيق في حوارات متلفزة له من مشاركة جماعة «الإخوان» في ارتكاب تلك الاعتداءات. وكانت المحكمة بجلسة أمس بصدد الاستماع إلى مرافعة النيابة العامة في القضية، قبل أن يطلب دفاع المتهمين تقديم طلبات جديدة في القضية في ضوء ما تم الإعلان عنه من أدلة جديدة تشير إلى ضلوع جماعة «الإخوان» في ما حصل. حيث أعلن رئيس المحكمة المستشار مصطفى حسن عبد الله في بداية الجلسة أنها مخصصة لسماع مرافعة النيابة، وسأل الدفاع إن كانت لديه طلبات أخرى لهم، فرد محامو المتهمين بأن الدعوى ظهرت بها أدلة جديدة تتمثل في الحوارات التلفزيونية التي أجراها رئيس الوزراء السابق الدكتور أحمد شفيق والتي اتهم فيها صراحة جماعة «الإخوان» بالمسؤولية عن قتل المتظاهرين السلميين يومي 2 و 3 فبراير (شباط) من العام الماضي والمسماة ب «موقعة الجمل».