حال من الشدّ والجذب تسود الأوساط السياسية ذات «النبرة الحقوقية النسائية». نقطة ارتكاز الخلاف هي نساء مصر أنفسهن اللواتي بتن «لقمة سائغة» لكل من يطمح الى السلطة أو يبغى جاهاً ثورياً أو شهرة حقوقية أو حتى مرجعية دينية. نساء مصر اللواتي يتربعن على رأس قائمة مَن شكّلوا أساس الثورة، واقعات هذه الآونة بين شقي رحى. الأول رحى تيارات الإسلام السياسي التي تقدم مفهوماً نسوياً مطابقاً لرؤية دينية، وهو ما يراه الطرف الآخر تحقيراً للمرأة وتهميشاً لدورها، والثاني يسير في اتجاه الليبرالية النسائية الكلاسيكية المطالبة بالمساواة التامة في الحقوق والواجبات، وهو ما يراه الطرف المقابل تغريباً للوطن وإفساداً للثقافة وازدراء للدين. وبين هذا وذاك يعمل الطرفان على إعلاء صوت كل منهما، واستقطاب جموع المصريين رافعين شعار «من أجل المرأة». حزب «الحرية والعدالة» – الذراع السياسية ل «جماعة الإخوان المسلمين» – فجّر «قنبلة» سياسية نسائية من العيار الثقيل قبل أيام قليلة، بإعلان ترشح سيدة لرئاسة الحزب، وهو المنصب الذي بقى خالياً بعد وصول رئيسه الى سدة الحكم في مصر. الإخوانية الدكتورة صباح السقاري، عضو جماعة الإخوان المسلمين منذ ما يزيد على 22 عاماً، رشحت نفسها لرئاسة الحزب ذي المرجعية والركيزة الدينية في خطوة أدهشت الجميع، وبخاصة المنتمين الى التيارات الفاصلة بين الدين والسياسة، إلى درجة جعلت البعض يعتقد أن ترشح السقاري ضربة موجهة لليبراليين الذين يحذّرون طيلة الوقت من تعرض المرأة المصرية للقهر في ظل الحكم الإخواني، فإذ بسيدة ترشح نفسها على رأس الهيكل السياسي، لا سيما أنها تؤكد أن مرشد الجماعة فخور بها ما يعني أن ترشحها يحظى، ليس فقط بموافقة الجماعة، ولكن بدعمها ومباركتها. «العصر المباركي» الذي ما زال يستهلك جانباً كبيراً من جهد الإسلاميين ووقتهم لانتقاد القوانين الصادرة فيه والتي «أنصفت المرأة»، وفق المفهوم الليبرالي، و «هدمت قيمة المرأة وقوّضت الأسرة»، وفق مفهوم التيارات الإسلامية يبدو وكأنه كان العصر الذهبي للمرأة المصرية. فالقائمون على وضع الدستور، والمسؤولون في مؤسسات الدولة، ومتخذو القرار لا يرون في وضع المرأة المصرية أية مشكلة. والدستور جارية كتابته على قدم وساق، من جانب التيارات الإسلامية ليعمل على إعلاء شأن المرأة المصرية من خلال حمايتها وحماية دورها الأسري في البيت أولاً وأخيراً. وحتى وإن كانت هناك مشكلات، فهي من صغائر الأمور التي تحتمل التأجيل إلى حين خروج الوطن من عنق الزجاجة. إلاّ أن هناك مخاوف حقيقية من أن يخرج الوطن من عنق الزجاجة برجاله من دون نسائه، وذلك بعد ان ينجح الإسلام السياسي في «إعلاء شأن المرأة» وتكريمها... في منزلها. ويكفي أن الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي أكد أثناء زيارته الولاياتالمتحدة أن المرأة المصرية حاصلة على حقوقها كاملة. وقال إنها تعمل في كل المجالات، وهي الزوجة والمهندسة والمحامية. كلمات مرسي التي كان يفترض أن تكون مطمئنة للتيارات الليبرالية أتت بآثار عسكية، فالمرأة المصرية التي تشعر بكثير من الظلم وتحلم بكثير من المساواة، فاجأها رئيس الدولة بإغلاق باب الحلم أمامها بتأكيده أن ليس في الإمكان أحسن مما كان. أما الجهاد الليبرالي الذي لا يزال يحاول الإبقاء على «الحلم»، فيشتمل على تنظيم الوقفات الاحتجاجية والمسيرات السلمية والتظاهرات الغاضبة، تارة أمام قصر الاتحادية، وأخرى في شوارع وسط القاهرة المعروفة بثوريتها، وثالثة في الأحياء الراقية مثل مصر الجديدة والمعادي والمهندسين. الوقفة الأحدث كانت سلسلة بشرية أمام القصر الرئاسي نظمتها 30 حركة نسائية مصرية وقدّمت وثيقة مجمّعة للرئيس تتضمن مطالب النساء في الدستور الجديد، إضافة إلى مشروع قانون لتجريم التحرش بالنساء، بخاصة أن عضو مجلس الشعب المنحل السيدة عزة الجرف كانت حمّلت المرأة مغبة التحرش وليس المتحرش. وترى نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشارة تهاني الجبالي التي تتعرض لحملات تشويه منظمة من جانب رموز في الإسلام السياسي، أن هذه التيارات تتعمّد تهميش المرأة وإقصاءها. إلاّ ان متابعي الجبالي أقل بكثير من متابعي وجدي غنيم الذي يجذب الآلاف في أحاديثه التي يشجب فيها محاولات مساواة «الديك بالفرخة» لأن «الفرخة ستبقى طيلة عمرها فرخة بينما سيكون الديك ديكاً»، وسواء حاولت «الفرخة» الحصول على حقوق تساويها ب «الديك» أم ظل ال «ديك» في برجه العاجي مصراً على تهميش «الفرخة»، فإن واقع الحال يشير إلى ردّة حقيقية للمرأة المصرية تحتاج إلى ما هو أكثر من وقفات احتجاجية وعرائض شاكية.