المواطن الهمام، طوال الليالي والأيام غارق في همومه وزحمة الشوارع يبحث عن موقف يُنجيه، تائه في أرقام وتوقعات مستقبل يحرقه وقوداً في ظل غياب البنيان المعرفي، تُمزّقه وعود تنموية متناثرة مع انعدام إستراتيجية ورؤية، لن نسميها جهلاً وسندخلها في سياق ضعف الإرادة وعدم القدرة على حسن التنظيم والتخطيط المبني على حاجات وتوقعات ومصالح قومية مقنعة بعدالتها الاجتماعية وبمفهومها الواسع لجذب الاهتمام والتدافع المخلص لإنجاحها. أدخل الكسل والاتكالية اجتهاداتنا التنموية لغرف إدمان الورق والأبواب والجدران والمكاتب الخشبية، فارتاح المسؤول إلى رائحة روتينية تحولت علاجاً للجيوب الأنفية التي لم تألف الركض الميداني والغبار التنموي المصاحب! اخشوشنوا؛ ما من مجيب، فاليد الناعمة لم تعد قادرة على ضربة شمس، انشطوا وتحركوا في بلاد قارية، فالناس بحاجة إلى من يستمع إليها ويُناقشها ويتابع مصالحها، لا حياة لمن تنادي، فهم في المكاتب قابعون يحررون المذكرات والخطابات، وقلم أَلِف الصادر والوارد، وتأشيرة التفاهم وإكمال اللازم وإعادة العرض والحفظ لحين الطلب! أُختزلت هموم وتطلعات المواطنين في الأوراق والملفات، ومجلدات توصيات المؤتمرات والندوات، ووكالة أنباء يقولون ويَذكرُون أن أقواماً في أطراف المدينة أو القرية يعانون ويتذمرون، والمسؤولون يكتفون بسماع الأخبار أو ما يُنشر بالملفات الصحافية، ثم يجتمعون ويبحثون وللتبرير بالأسباب يدفعون ويدافعون! خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، جاب أرض الوطن طولاً وعرضاً، شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، يبحث عن مواطن القصور، يستمع باهتمام لتطلعات وآمال الناس، ويمنحهم إستجابة سريعة بتأسيس مشاريع في التعليم والصحة والصناعة والاقتصاد والإسكان والشؤون الاجتماعية، لكن الوزراء في المتابعة عاجزون، وفي الزيارات الميدانية المنتظمة في جداول أسبوعية مهملون ومقصرون، وأمام كاميرات التلفاز وعدسات المصورين يترززون، وبتأخر تنفيذ المشاريع وعرقلتها وفشلها هم في مكاتبهم يُصرحون ويُبَرّرون، فأين نحن منكم، وإلى أين أنتم بنا ذاهبون؟! قال الشاعر جرير في حضرة الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان مادحاً: «ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح» سأستعير هذا البيت في مناقشة أوضاع تنموية وأقول، سامحك الله وغفر لك يا جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي من بني حنظلة من بني تميم، سامحك الله أيها الشاعر الفارس على هذا المديح الذي يطال عنان السماء، لو رأيت أبناء جلدتك من اليعربيين، وزراء ومسؤولين، كيف أناخوا مطاياهم في السلم، على رغم راحتها وسرعتها مقارنة بالمطايا التي وصفتها آنذاك، وبطون الأيادي تفيض بمئات البلايين بدلاً من صرائر عطايا عهدكم، لو رأيت وعايشت كل هذا «يا أبا حرزة» ماذا ستقول عن وزرائنا ووكلائنا ورؤساء هيئاتنا ومؤسساتنا، هل ستُحوّل البيت الشعري المدحي إلى هجاء لتقول لهم: «ألستم أكسل من ركب المركبات... وحجب عن العالمين مشاريع البلايين»! بماذا ستفيض قريحتك الشعرية، يا من ولد وعاش ومات في اليمامة، وأنت ترى أبناء أرض ينتمون إليها، تبوأوا فيها أعلى المناصب، وأتُمنوا على مصالح الناس ومعظمهم، مع الأسف الشديد، لم يسبق له أو لا يعرف معظم مناطق ومحافظات الوطن؛ الكراسي الوثيرة المتحركة خلف المكاتب «يا جرير» صارت هي المطايا؟! أيها الشاعر الفحل، لو كنت معنا اليوم تسمع وتشاهد أبناء العم سام واليابانيين والكوريين وهم «الرديين في ركوب المطايا»، لكنهم يجوبون أراضي بلدانهم، يزرعون النماء والتطور، ويتابعون بالرعاية والاهتمام تطلعات شعوب بلدانهم، يخططون بدقة، وينفذون بمهارة واحترافية، يبحثون ويخترعون، وبالكلام الصادق يقولون، يُوعدون ويُنفذون وبثقة شعوبهم محاطون، ماذا عساك كنت ستصفهم؟ هل كنت ستقول إنهم خير من ركب المطايا «الإلكترونية»، أم أنها ستبقى موروثاً وحقاً مكتسباً تتوارثه أجيال حتى لو كانت بالكسل موصومة مترددة خاملة، بوعود من بريقها الأول زائفة؟! أيها اليعربيون المؤتمنون على مصالح الناس، اخرجوا من مكاتبكم، انتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله، ابتعدوا عن لجان طال أمدها، ومؤتمرات وندوات سئم الناس من كثرتها وقلة منفعتها، فوضوا صلاحية إدارة الأوراق لجهات ذات اختصاص، اقلبوا برنامجكم الأسبوعي رأساً على عقب، اجعلوا يوماً للاجتماع بالمسؤولين بالوزارة، ويوماً لاستقبال الناس، ويوماً لاجتماع مجلس الوزراء، ويومين لزيارات ميدانية لكل مدينة ومحافظة وقرية، وابتعدوا في هذه الزيارات عن التكاليف والرسميات، امنعوا السجاد الأحمر والمفاطيح والعرضات، عوّدوا الناس على تكرارها وطبيعتها، وأنها هدف دائم وليست من الندرة، ما يجعلهم يتجمهرون لاستقبالكم والتهافت لتقديم «معاريض» الشكوى والمطالب والرجاء، ساعدوا الوطن على بناء أسس حماية النزاهة ومكافحة الفساد بشفافية الأنظمة والإجراءات؛ استعينوا بالأقوياء الأمناء لتحقيق المراد، بدّلوا ثقافة سجاد الاستقبال الأحمر، وتلميع طرق الزيارات المزيفة، ونظافة المنشآت الوقتية، وإخفاء الأوراق المتراكمة في أدراج المكاتب، لا يكون الانضباط في الحضور من أجل استقبالكم والسلام عليكم، حوّلوها إلى سلوك وقيم عمل وأخلاقيات مهنة بالمتابعة والزيارات المتواصلة، لا تتركوا أبناء وبنات هذا الجيل للركون لتبادل قصص التشكيك، وعدم تصديق ما يقال، ورواية أحداث الفشل والإحباط عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصالات الرقمية، لأن كل شيء بعدها سيكون مُغبراً حتى لو كان من أساسه صافياً. [email protected] @alyemnia