وقف المحامي علاء شريف ضمن عشرات إلى جوار مستشفى أم المصريين العام في الجيزة بانتظار ميكروباص (حافلة لنقل الركاب) يقله إلى وسط البلد حيث مقر دار القضاء العالي لإنهاء معاملات موكليه، لكن الانتظار طال من دون طائل، فيما مئات المواطنين تجمعوا أمام بوابة المستشفى الكبير المطل على الشارع الرئيس وكادوا أن يفتكوا بأمنه بسبب رفض الأطباء مباشرة الكشف على ذويهم تنفيذاً لقرار نقابة الأطباء تنفيذ إضراب جزئي على مستوى البلاد لا يشمل الحالات الحرجة وأقسام الطوارئ. لم يكن المحامي الشاب وغالبية مرافقيه يعلمون أن سبب تعطلهم في هذا الصباح هو إضراب سائقي سيارات الأجرة احتجاجاً على ارتفاع قيمة المخالفات المرورية المقررة على السائقين، ما دفعهم إلى الإضراب عن العمل. الحال ذاتها تكررت في مناطق عدة في القاهرة المكتظة بالسكان حتى أن مواقف سيارات الأجرة على مستوى المحافظة اكتظت بالركاب الذين اضطروا إلى استقلال باصات النقل العام المزدحمة بطبعها والتي خرج سائقوها لتوهم من إضراب عن العمل نفذوه لأيام عدة متتالية. وما ان علم شريف بنبأ الإضراب حتى ظل يضرب كفاً بكف ولم يجد بداً من استقلال مترو الأنفاق الذي بدا أمس كأنه في «يوم الحشر» من شدة ازدحامه بسبب إضراب السائقين. وتساءل شريف: «ما ذنب الركاب؟ نحن نعاني كما السائقين تماماً، وعليهم النظر إلى أمثالهم من المطحونين... لكن في النهاية الدولة لا ترضخ إلا بهذا الأسلوب، قطعاً هم يتعرضون لظلم ويسعون إلى رفعه». غير أن المحامي العشريني لا يتوقع أن تبالي الدولة بمطالب السائقين. وقال: «الحال لم تتبدل عن أيام (الرئيس المخلوع حسني) مبارك، النظام الجديد كما القديم يرفض لي ذراعه، وليكسر ذراع المواطنين». وعلى بعد بضعة كيلومترات من المستشفى خلا ميدان المنيب من مئات الحافلات التي طالما اصطفت فيه، لكن سائقين قليلين واصلوا عملهم. وقال محمد إبراهيم، وهو أحد السائقين الذين رفضوا الإضراب، إن «عدم إضرابي لا يعني عدم تضامني مع زملائي... فقط لا أجد جدوى للإضراب»، مشيراً إلى أن السائقين «يعانون من ارتفاع قيمة الغرامات المرورية، ودفع مبالغ كبيرة نظير السماح لهم بدخول مواقف الركاب، فضلاً عن عدم توافر السولار والبنزين في محطات الوقود». وأوضح أن «الدولة تتركنا نهباً لبلطجية المواقف يفرضون علينا الإتاوات المبالغ فيها، ونعاني لتموين السيارات بالوقود... وما يتبقى ندفعه مخالفات مرورية، إذن لماذا نعمل؟». وقطع سائقو الحافلات الصغيرة أمس طريقاً رئيسة في القاهرة وأجبروا زملاءهم على الالتزام بالإضراب ورفضوا السماح لهم بنقل الركاب. واستدعت الأزمة تدخل محافظ القاهرة أسامة كمال الذي تعهد مخاطبة وزير العدل أحمد مكي والنائب العام عبدالمجيد محمود للبحث في شكوى السائقين من ارتفاع قيمة المخالفات المحررة ضدهم. وفيما الناس حائرون في شوارع القاهرة المكتظة، كان المرضى وذووهم أكثر حيرة في المستشفيات الحكومية التي تأن من وطأة الإهمال وإضراب الأطباء الذي دخل يومه الثالث أمس. وقال الطبيب أسامة شريف: «لم نضرب للمطالبة بتحسين أوضاعنا المعيشية فقط، ولكن أيضا لتحسين قطاع الصحة كله». وعلق الأطباء المضربون شعارات على ملابسهم كُتب عليها «إضرابنا من أجلك»، في محاولة منهم لاسترضاء المرضى الغاضبين من عدم تقديم الخدمات الطبية لهم. وقال الطبيب شريف ان «أحوال المستشفيات الحكومية لا تصلح لتقديم خدمة صحية محترمة، كما أن مجانية العلاج أصبحت ضرباً من الماضي... غالبية الأدوية يشتريها المريض من خارج المستشفى والاشاعات والتحاليل حتى البدائية منها لا تجريها المستشفيات الحكومية التي باتت في حال يرثى لها». وأضاف بحسرة: «أضربت لأنني اتألم حين يموت مريض بسبب نقص الإمكانات». ويطالب الأطباء برفع مخصصات الصحة في الموازنة العامة للدولة، وأيدت حركات ثورية عدة هذه المطالب. وقال القيادي في «حركة 6 أبريل» محمد عادل إن «على الرئيس (محمد) مرسي وحكومة (هشام) قنديل العمل على دعم موازنة الصحة في شكل عاجل بخمسة بلايين جنيه، لرفع كفاءة المستشفيات الحالية وحاجاتها المطلوبة من الأدوية والمعدات الطبية اللازمة، وتحسين الوضع المالي والاجتماعي للعاملين في القطاع الصحي من أطباء وأخصائيين»، مشيراً إلى أن المستشفيات في مصر تعاني عجزاً كارثياً في الحاجات الطبية اللازمة. وتبارت وزارة الصحة والغرفة المركزية المشرفة على الإضراب في نقابة الأطباء في رصد أثر الإضراب على تقديم الخدمة الطبية في المستشفيات العامة، إذ قللت وزارة الصحة من جانبها من أثره، معتبرة أنه «لم يؤثر على الخدمات المقدمة في أكثر من 75 في المئة من مستشفيات الجمهورية»، فيما غرفة نقابة الأطباء أكدت أن «القطاع الصحي تأثر في شدة بهذا الإضراب الذي التزمت به أكثر من 70 في المئة من مستشفيات الجمهورية». لكن بدا أن كسر الأطباء المنتمين إلى جماعة «الإخوان المسلمين» قرار النقابة العامة بالإضراب ساعد في تقليل أثره، إذ نشطت الجماعة التي لها نفوذ كبير داخل النقابة لإفراغ هذا الإضراب من مضمونه، في ظل تأكيد الحكومة مراراً أن لا اعتمادات إضافية لتلبية مطالب الفئات المحتجة في المرحلة الراهنة. واستدعى انتقال الاحتجاجات الفئوية إلى قطاعات خدمية مؤثرة مثل النقل والصحة تدخلاً حكومياً على أعلى مستوى، إذ أعلن رئيس الوزراء أمس دعوة إلى إجراء «حوار مجتمعي» يستضيفه مجلس الوزراء ويبدأ اليوم ويستمر لمدة شهر «للتعرف على مطالب مختلف الفئات وعرض الصورة النهائية علي الرئيس». وأشار قنديل في مؤتمر صحافي أمس إلى أنه «تم تعديل الخطط الحكومية وفقاً للمتطلبات الجديدة... الموازنة الحالية لا تستطيع تحمل أعباء مالية إضافية لتلبية مطالب المحتجين، ونسعى إلى سد العجز المالي في الموازنة، لكننا لا نستطيع تلبية كل المطالب الفئوية». من جانبه، أكد الناطق باسم الرئاسة ياسر علي أن «حق الاضراب مكفول لجميع شرائح المجتمع لكن بشرط أن يكون متفقاً مع صحيح القانون وألا يضر بمصالح شرائح أخرى». وقال إن «الاضراب ليس معناه عقاب المواطنين... مؤسسة الرئاسة تعمل مع جميع الشرائح المضربة للوصول إلى حلول مرضية وفق الامكانات المتاحة في هذا التوقيت وموارد الدولة». وأكد أن «مؤسسة الرئاسة تتفهم تماماً معاناة كثير من شرائح المجتمع المصري سواء من العمال أو المهنيين أو سائقي الميكروباص أو الأطباء ونعمل من أجل دفع الاقتصاد إلى الأمام ومحاولة توليد عائد اقتصادي أكبر يساعد على تخفيف الأعباء التي يعاني منها المواطنون وتراكمت عبر سنوات طويلة».