سبّب إضراب أكثر من 1500 من سائقي هيئة النقل العام في مصر ارتباكاً شديداً في القاهرة، بعدما انضم أمس مئات من السائقين إلى زملائهم المضربين منذ أول من أمس لتجد السلطات التنفيذية نفسها أمام مأزق حقيقي دفعها إلى الاستجابة لبعض مطالبهم، خصوصاً أن ملايين يعتمدون في تنقلهم على باصات النقل العام رخيصة الكلفة. وأفاق ملايين من سكان العاصمة أمس على وجود أمني كثيف في مرائب النقل العام لاحتواء إضراب السائقين الذين امتنعوا عن العمل واعتصموا أمام الكراجات، احتجاجاً على ضعف رواتبهم وللضغط على الحكومة لتلبية مطالبهم بزيادة الحوافز الشهرية والحصول على بدل طبيعة عمل مماثل لعمال السكك الحديد، إضافة إلى عدم تحملهم قيمة المخالفات المرورية المسجلة ضدهم التي تحسم شهرياً من رواتبهم. وتجمع السائقون أمام ستة كراجات في القاهرة، من أصل 22، رافعين لافتات تحمل مطالبهم، وتؤكد أنهم لن يستأنفوا عملهم من دون تنفيذها. وقال محمد إبراهيم، وهو سائق في محطة المنيب (جنوبالقاهرة)، إن السائقين يحصلون على نسبة زهيدة من قيمة ما يوردونه إلى الهيئة. وشكا تعسف إدارة المرور معهم وتحرير مخالفات مرورية باهظة «يتحملها السائقون من دون ذنب، ما يضعف من راتبهم الضعيف أصلاً». وأضاف: «لا يمكننا العيش بهذه الرواتب.. ولن نفض الإضراب من دون الحصول على حقوقنا». ووقف آلاف من سكان العاصمة أمام الكراجات في انتظار ما يقلهم إلى أعمالهم، وتكدس مئات منهم في باصات صغيرة تحركت بتوجيهات من السلطات المحلية في كل حي من أجل تيسير الحركة، خصوصاً في ساعات الذروة. وانتشرت قوات الأمن في الميادين والمحطات الرئيسة لمتابعة نقل المواطنين وتوجيه الباصات الصغيرة إلى الأماكن التي تشهد ازدحاماً. وشهد مترو الأنفاق زحاماً شديداً خلال اليومين الماضيين. وقال مصدر حكومي ل «الحياة» إن رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف «يتابع الموقف بنفسه لما له من أهمية»، موضحاً أن هذا «الوضع لا يمكن أن يستمر، خصوصاً مع اقتراب شهر رمضان، وبالنظر إلى أن قطاعاً كبيراً من المواطنيين، خصوصاً الفقراء، يعتمد على باصات النقل العام وحدها». وأوضح أن النقابة العامة لعمال النقل البري فشلت في احتواء الأزمة، مشيراً إلى أن وزيرة القوى العاملة والهجرة عائشة عبدالهادى ستلتقي وفداً من السائقين المعتصمين. ورفض السائقون عرض رئيس هيئة النقل العام صلاح فرج بتحمل الهيئة والسائقين المخالفات المرورية مناصفة، والبحث عن تسوية لهذه المشكلة بالتعاون مع النقابة العامة للعاملين في هيئة النقل العام. ولم يستبعد المصدر الحكومي تسوية موضوع المخالفات المرورية مع وزارة الداخلية، «لما لإضراب السائقين العموميين من خطورة». ويبدو أن هذه «الخطورة» دفعت الحكومة إلى التحرك بسرعة غير معهودة والاستجابة لبعض طلبات السائقين. ونقلت وكالة «رويترز» عن مصدر حكومي أن رئيس هيئة النقل العام وافق على صرف حوافز مالية لعدد من العاملين في الهيئة، في ما اعتبر استجابة عاجلة لجزء من مطالب سائقين ومحصلي تذاكر وفنيي صيانة مضربين. وأشار المصدر إلى أن فرج «وافق في شكل عاجل على صرف البدل النقدي الخاص بساعات العمل الإضافية لعدد من العاملين المتفرغين للعمل النقابي». وأضاف أن محافظ القاهرة عبدالعظيم وزير «قرر بتعليمات من رئيس الحكومة تشكيل لجنة يتصف عملها بالاستعجال لدرس تحسين أوضاع العاملين في هيئة النقل العام». وتتبع الهيئة محافظة القاهرة، ويعمل فيها نحو 40 ألف عامل ومحصل تذاكر وفني صيانة. وسيبحث محافظ العاصمة في صرف مكافآت مالية عاجلة للسائقين، كما يبحث في إمكان إنشاء صندوق في الهيئة يسهم في سداد المخالفات المرورية، كما ستتخذ إجراءات لمخاطبة وزير الصحة لينسق مع كل من وزير النقل ومحافظ القاهرة في شان إقرار بدل عدوى للسائقين. وأشار مصدر في محافظة القاهرة إلى أن اجتماعاً عاجلاً عقد أمس بين المحافظ ورئيس الاتحاد العام لعمال مصر حسين مجاور ورئيس اللجنة النقابية للعاملين في هيئة النقل العام سيد محمود لمحاولة إنهاء الإضراب. وشهدت مصر على مدى الأعوام الثلاثة الماضية إضرابات شبه أسبوعية لفئات تطالب برفع الرواتب أو بمميزات اقتصادية، غير أن تأثير الإضرابات بات ملموساً خلال الأشهر الماضية بعدما امتدت إلى قطاعات حيوية تمس مصالح ملايين المواطنين. ويتذكر كثيرون إضراب عمال السكك الحديد قبل نحو شهرين، ما أدى إلى شلل في حركة سير القطارات وإضراب سائقي الشاحنات الذي أفضى إلى زيادات في أسعار السلع بسبب توقف حركة النقل بين المحافظات، إضافة إلى إضراب الصيادلة.