طرح الرئيس اللبناني ميشال سليمان تصوره ل «استراتيجية وطنية دفاعية متكاملة»، في جلسة الحوار التي عقدت امس في القصر الجمهوري، فيما أثارت «قوى 14 آذار» مسألة التصريحات الإيرانية في شأن وجود الحرس الثوري الإيراني في لبنان والدور الإقليمي لسلاح «حزب الله». وإذ تجنب ممثل «حزب الله» إلى طاولة الحوار رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية محمد رعد التعليق على الموضوع الإيراني، اكتفى بالرد على أصوات 14 آذار بالقول إن الحزب غير معني بالرد أو التوضيح على «كل من يحكي وإذا كان لدى 14 آذار أو «المستقبل» ورقة تحدد رؤيتهم ليقدموها»، في حين ردد رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون المواقف التي كان اطلقها في مؤتمره الصحافي الثلثاء الماضي بالسؤال «عما إذا كان احد شاهد عنصر من الحرس الثوري في لبنان». وحرص رئيس المجلس النيابي نبيه بري في مداخلته على التحذير «من فتنة سنية - شيعية تقف خلفها الصهيونية العالمية أو فتنة مسيحية - إسلامية على خلفية الفيلم المسيء إلى الرسول». وأثار رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابي وليد جنبلاط الوضع الاقتصادي انطلاقاً من مقاربة السنيورة له مجدداً مخاوفه من انعكاس إقرار سلسلة الرتب والرواتب على البلد، واعتبر رعد أن «المهوار» الذي يجري الحديث عن إمكان الوصول إليه بسبب السلسلة «موروث من حكومات سابقة وتفاقم الآن»، في وقت نبه رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة إلى الاختلاف بين التدهور الاقتصادي الذي يعانيه لبنان وبين ما تعانيه دول أوروبية، مذكراً بأن «في اليونان الدائن هو أوروبي، في حين أن دين لبنان داخلي وكنا حاولنا من خلال مؤتمر باريس- 2 و3 ومن خلال الإصلاحات مساعدة انفسنا ونخشى اليوم من ألا نجد أحداً يساعدنا». وطغى الوضع الاقتصادي إلى جانب الموقف الإيراني على مداخلات بقية أطراف الحوار وبينهم رئيس حزب «الكتائب» أمين الجميل ونائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري والنائب جان اوغاسبيان. التأمت «هيئة الحوار الوطني» قبل الظهر، برئاسة الرىس ميشال سليمان وحضور أقطاب الحوار الذين تغيب منهم: الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية ورئيس حزب «الديموقراطي» النائب طلال ارسلان. كلمة سليمان وافتتح سليمان الجلسة بعرض أبرز التطورات التي حصلت على الساحتين الداخلية والإقليمية منذ الجلسة الأخيرة، مشيداً بمدى نجاح زيارة البابا بنيديكتوس السادس عشر للبنان، «ولا سيما من حيث التنظيم والمضمون وسماحها بإعادة تسليط الضوء على موقع لبنان ودوره كرسالة حرية وعيش مشترك». وتوقف عند «الإجماع اللبناني على دور الزيارة في تعزيز العلاقات بين المسيحيين والمسلمين وفي نقل صورة إيجابية عن بلدنا إلى الخارج». وأثنى سليمان على مواقف المرجعيات الروحية من إسلامية ومسيحية من الزيارة التاريخية. وجدد إدانته للفيلم والرسوم المسيئة للإسلام وللرسول. ولفت إلى مشاركته في قمة دول عدم الانحياز في طهران، مذكراً بأنه شدد على أهمية تحييد لبنان عن الصراعات الدائرة في المنطقة من دون أن يؤثر ذلك على موقفه من الصراع العربي الإسرائيلي. وأبلغ الحضور انه التقى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي والرئيس محمود احمدي نجاد والرئيس المصري محمد مرسي اضافة إلى استقباله أعضاء الوفد السوري في جلسة علنية «ولم تكن سرية على رغم عدم التقاط الصور». وتطرق إلى ما نقل عن القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني من أن هناك خبراء في لبنان وسورية، وقال انه استدعى لهذا الغرض السفير الإيراني غضنفر ركن ابادي الذي نفى ما تناقلته وسائل الإعلام عنه لكنه طلب منه توضيحاً رسمياً وعاد ليبلغه رسمياً بأن ما قاله يتعلق بسورية ولا علاقة للبنان به. وتوقف أمام الأحداث التي جرت في طرابلس، وقال إن الجيش تمكن بالتعاون مع القوى الأمنية الأخرى من الإمساك بالوضع ولن يسمح بعودة التوتر، لافتاً إلى انه تمكن من السيطرة على الطريق المؤدية إلى مطار رفيق الحريري الدولي وأوقف الذين اخلوا بالأمن وكانوا وراء إقفال الطريق وخطف تركي وسوريين وأن الموقوفين يحاكمون أمام القضاء. وأكد سليمان أن القوى الأمنية نجحت في توقيف العصابة التي تسطو على المصارف وأن الدولة لن تتهاون مع الخاطفين لعدد من اللبنانيين والرعايا العرب لإجبارهم على دفع فدية مالية وأن الأجهزة الأمنية وضعت خطة لوقف هذا المسلسل الذي يسيء إلى سمعة لبنان واستقراره. واعتبر أن إتلاف المخدرات مستمر ولن يكون هناك أي منطقة محرمة على الجيش «مع جهدنا لدعم الزراعات البديلة». وإذ جدد استنكار الفيلم المسيء اكد أن ليس هناك من يقبل أو يغطي اعتداءات استهدفت بعض المؤسسات. وتناول سليمان المحاولات الرامية إلى تشويه سمعة بعض المصارف، وقال: «لن نسمح بأن يمس بها»، وكان آخرها ما أشيع عن البنك اللبناني - الفرنسي، وأشار إلى أن لبنان يرأس حالياً مجلس وزراء الخارجية العرب «وسيلتزم الحياد انسجاماً مع سياسة النأي بالنفس»، واكد أن المساعي جارية مع تركيا للإفراج عن اللبنانيين العشرة في سورية. وذكر المكتب الإعلامي لسليمان أن الأخير شدد خلال مداخلته على «ضرورة التزام كل مندرجات «إعلان بعبدا»، لا سيما البندين 12 و13، حفاظاً على استقرار لبنان وسلامة أراضيه». مداخلة السنيورة واستهل الرئيس السنيورة مداخلته بوصف زيارة البابا لبنان ب «التاريخية والمميزة جداً، وعكست حقيقة الجوهر الأصيل للشعب اللبناني، إذ تعاملت جميع الأطراف اللبنانية بمواقعها كافة بمسؤولية عالية مع هذا الحدث، وأثبتت الزيارة أن لبنان بلد العيش الواحد وأن اللبنانيين جديرون بالارتفاع إلى مستوى التحدي الذي حملته الزيارة معها». وأشار إلى مضمون ما جاء في الإرشاد الرسولي، وقال «على لبنان أن يثبت أنه قادر ومن خلال التشبث باتفاق الطائف واستكمال تنفيذه على صناعة الوحدة بين اللبنانيين على القواعد التي أرساها الدستور وعلى أنه قادر بمسيحييه ومسلميه على وأد الفتنة ورفض التعصب وعلى تحقيق منجزات اقتصادية في حال الالتزام بالرصانة المالية والنمو والتنمية الاقتصادية وتعزيز الإنتاجية والقدرة التنافسية». وجدد «إدانة العمل الشائن والمتمثل بالفيلم الذي أطلقه أحد التافهين والقصد منه الإساءة للإسلام واستدراج المسلمين والعرب إلى ردود فعل لا تعبر عن جوهرهم ولا تخدم قضايا المسلمين والعرب ولا تؤدي إلى حماية الإسلام والرسول الأعظم من أي إساءة». ودعا إلى «المحاذرة من الوقوع في الفخ الذي نصبه ذلك الشخص ومن هم وراءه لإحداث الفتنة والصدام». ولفت إلى «مشكلات تتفرع عن قضية وجود وانتشار سلاح حزب الله وتفرعه ضمن تنظيمات مسلحة تتأسس تحت إشرافه في أكثر من منطقة في لبنان»، وقال: «كان النقاش ينحصر في الماضي حول دور هذا السلاح بعد تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي في ضوء التجربة والأدوار الداخلية التي لعبها بعد ذلك، وصولاً إلى أحداث 7 أيار 2008 عبر غزوة بيروت وبعض المناطق الأخرى، ومن ثم الدور الذي لعبه في التأثير في نتائج الانتخابات عام 2009 لجهة تقويض أي إمكان لبروز أصوات مختلفة خارج سطوة هذا السلاح. والدور الذي لعبه هذا السلاح في إسقاط حكومة الوحدة الوطنية وما تبع ذلك من انقلاب القمصان السود ومحاولة الانتشار إلى مناطق أخرى كمثل طرابلس في الأحداث الأخيرة حيث بات هذا السلاح يفرخ سلاحاً من مناطق عديدة وآخر هذه ما حصل قبل ساعات ليل أول من امس وما شهدناه في منطقة السعديات وما نشهده هذه الأيام من انفلات عمليات الخطف بسبب انتشار ثقافة السلاح والإحساس الذي يخامر بعضهم أن السلاح يحميهم أو يمكن من خلاله تحقيق ما قد يعجزون عنه من دونه». ودعا إلى التوقف عند هذه الأحداث ذلك انه «ظهر خلال الأيام القليلة الماضية أمر بات يضع هذا السلاح ودوره في مكان آخر، ويعطيه أدواراً جديدة، وتجلى ذلك بالكلام المباشر والصريح لقائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، والذي أراد القول إن يد إيران في لبنان وسورية موجودة ومتجذرة بعمق، وإن الحرس الإيراني المسلح في لبنان موجود ويمكن استعمال لبنان وسلاح «حزب الله» فيه لتهديد الآخرين واستخدام لبنان كورقة مساومة وضغط وابتزاز على الآخرين. وسبق كلام الجعفري تصريحات لمسؤولين إيرانيين آخرين أطلقوا فيها تهديدات بأن «حزب الله» سيرد من لبنان في حال تعرضت إيران للهجوم من قبل إسرائيل». وإذ اكد معارضة اللبنانيين «بشدة أن تتعرض إيران إلى أي حرب أو اعتداء من قبل إسرائيل أو غير إسرائيل»، قال: «لكننا في الوقت نفسه لا يمكن أن نقبل بأن يتحول بلدنا منصة صواريخ لأحد أو أرضاً للمواجهة بين القوى الإقليمية أو لمواجهة القوى الدولية، دفع لبنان سابقاً الثمن غالياً من حياة أبنائه ودمائهم وعرق وإنجازات أجيال لتحقيق التقدم، والإعداد للمستقبل باقتدار. واعتقد أن الشعب اللبناني لا يريد أن يمر بهذه التجربة مجدداً، ولم يعط لأحد تفويضاً بذلك». وأضاف قائلاً: «سيقول بعضهم إني أثير المسألة وأحاول استغلالها، وإن كلام قائد الحرس الإيراني حرف وهذا أمر غير صحيح. لكننا وعلى أي حال لم نسمع نفياً واضحاً وصريحاً من «حزب الله» أو كلاماً يقول إن سلاحه هو لأهداف لبنانية فقط. وقبل أن نبدأ الحوار، المطلوب من «حزب الله» أن يتعهد أمام اللبنانيين بعدم وجود نية أو استعداد من أي نوع كان لاستخدام هذا السلاح لأهداف غير لبنانية». وسجل السنيورة ملاحظة على «ما أقدمت وتقدم عليه الحكومة والذي يكاد يهدد البلاد تهديداً كبيراً على المستوى الاقتصادي ولقمة عيش اللبنانيين»، سائلاً: «هل من المعقول أن تقدم الحكومة على إقرار سلسلة جديدة للرواتب من دون أن تعرف حقيقة تكاليفها باعتراف أعضاء في الحكومة؟»، معتبراً أن «إقرار السلسلة جرى اتخاذه فقط للدعاية ولأهداف انتخابية قصيرة النظر ولا احد يسأل إلى أين تذهب الحكومة بالبلاد». وقال: «نعم علينا زيادة رواتب الموظفين في القطاع العام وليس مقبولاً أن يكون العاملون في ضائقة، لكن في الوقت ذاته فإن القيادة السياسية مسؤولة عن سلامة الاقتصاد والأوضاع المالية وتحسين الخدمات للمواطنين وحماية لقمة عيشهم وضمان وتعزيز الاستقرار النقدي. والزيادات يجب أن ترفق بتطوير الإدارة وإصلاحها وزيادة الإنتاجية فيها لا أن يحصل كما حصل في إقرار سلسلة الرواتب عام 1998 حين سُلِخَت منها كل الإصلاحات التي كان جرى التوافق عليها في نقاش استغرق 5 سنوات مع كل النقابات والهيئات». نقاش وتصور وأثنى فرعون في مداخلته على «الإجماع الذي لقيته زيارة البابا»، وجدد استنكاره لما ورد في الفيلم المسيء إلى الإسلام، وشدد على ضرورة «تحييد لبنان وعدم إلحاقه بأي محور لما يترتب على مثل هذه السياسة من تداعيات لن تكون لمصلحة التهدئة والاستقرار»، وانتقد موقف الحكومة من سياسة النأي بالنفس مشيداً بموقف الرئيس سليمان في هذا المجال «الذي يمكن أن يعوض فيه عن تقصير الحكومة». ودعا إلى «حسم الموقف من السلاح غير الشرعي باعتباره المدخل لمنع انزلاق البلد»، مؤيداً موقف السنيورة من التصريحات الإيرانية. وشدد على ضرورة «الاستعانة بمراقبين عرب ودوليين لمراقبة الحدود الدولية بين لبنان وسورية»، واعتبر أن إعادة فتح طريق المطار «لا تعني صرف النظر عن مطالبتنا بتشغيل مطار القليعات أو رياق أو حالات». ووزع سليمان بعد ذلك، تصوره للاستراتيجية الدفاعية (منشورة في مكان آخر) على الحضور قبيل الواحدة. وتوجه مكاري إلى سليمان بالقول: «مع احترامي لما تضمنته الورقة التي تقدمتم بها والجهد الذي بذلتموه وأنت تعدها، أجد نفسي أننا على تفاهم في شان كل النقاط ما عدا البند المتعلق بسلاح «حزب الله» الذي كان ولا يزال موضوع اختلاف بيننا على الطاولة ولا أرى ضرورة لتأجيل البحث فيه ولا بد من الدخول في مناقشته». وأيد مكاري ما ورد في مداخلة السنيورة. إلا أن سليمان دعا إلى تأجيل النقاش في شأنها إلى الجلسة المقبلة «إفساحاً في المجال لكل طرف اخذ وقته في دراستها وتحضير إجابته عليها». البيان الرسمي ومع رفع الجلسة، صدر عن المجتمعين بيان حدد الاثنين في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل موعداً للجلسة المقبلة لهيئة الحوار. وأوضح البيان أن المتحاورين «توافقوا على اعتبار التصور الذي قدمه الرئيس سليمان منطلقاً للمناقشة سعياً للتوافق على استراتيجية دفاعية وطنية، ومن ضمنها موضوع السلاح، وتأكيد ضرورة الحفاظ على دينامية الحوار، والبناء على ما كرسته زيارة البابا من أجواء استقرار وتضامن بين مختلف فئات ومكونات الشعب اللبناني من أجل ترسيخ نهج دائم من الحوار والتوافق في مقاربة المسائل الوطنية، واعتبار الفيلم والرسوم المسيئة للإسلام عملاً استفزازياً مداناً يهدف إلى زرع الفتنة والتفرقة والصراع بين الحضارات والديانات والثقافات، وبالتالي دعم الحكومة اللبنانية في موقفها الداعي للمبادرة بالعمل على إعداد وإصدار تشريع دولي يحرم ويجرم الإساءة إلى الديانات السماوية». وأعلن أن سليمان التقى السنيورة بعد الظهر في قصر بعبدا، وعرض معه «الأوضاع العامة والمستجدات».