في المجتمعات البرجوازية غالباً ما تكتسي الرواية روح الاكتئاب والهموم الاجتماعية والذاتية، وبالتالي تغيب تقديم الشخصية الفكاهية، وهذا ما بدأ القارئ الخليجي الواعي يدركه، ومن هذا المنطلق فقد سئلت وتساءلت أكثر من مرة: هل يعود أمر غياب الروح البيضاء في الأدب السعودي مثلاً إلى الطريقة المصطنعة التي يتعامل بها الروائي السعودي مع كتابة الرواية؟ وهل ما زالت اللمحة الفكاهية من المؤجلات في كتابة الرواية، بحيث يحاول الروائي أن يقدم الشخصية الجادة المعبأة بالهموم؟ في اعتقادي أنه ليس المهمّ أن تكون رواية بعينها خالية أو غير خالية من الفكاهة، لكنّ ضعف ظهور الحس الفكاهي في الرواية السعودية. وبالاستقراء نرى أنّ الفكاهة أو الحسّ الكوميدي لا يمكن أن يتغلغل في العمل الروائي ما لم يكن هذا العمل قائماً بصفة أساسية على عنصر الحوار، وحتى في الرواية العالميّة، نادراً ما نشاهد راوياً علويّاً قادراً على تضمين رؤية الراوي مضامين فكاهية، مع استطاعته المحافظة على سماكة وجدية نصه الروائي، وتحضرني أسماء قليلة جداً مثل نجيب محفوظ وماركيز ويوسا وكونديرا وكويتزي وويل سوينكا ومن قبلهم تشيخوف. عليه، فإنّ ضمور عنصر الحوار في الرواية المحلّية من المؤسسات الجذريّة لغياب الحسّ الفكاهي فيها، إضافة إلى أنّ كتّابنا كما أقول دائماً، وصلوا إلى الرواية بعد شيخوختها، ومن ثمّ فإنهم مثل كلّ من يتعامل مع الشيوخ: مثاليّون جدّاً. أضف إلى ذلك أنّ من الفلسفات البديعة في الكتابة السرديّة، أن تمارس الهزل بجدّية غير متناهية، وهذا الجمع بين المتناقضين لا يستطيع أن يتصدى له سوى مبدع حقيقي. وكثير من كتّابنا (وبخاصة النساء) لم يستطيعوا إلى الآن في كتابتهم للرواية أن يتجاوزوا فكرة واحدة تجمعهم: البحث عن مآس ليغنّوها. وأكثريّتهم يعالجون الأفكار والمفاهيم المطروحة بالتأثير العاطفي في القارئ بإيقاع شعريّ موحّد. ولذلك تجدهم منسحبين بطبيعة الإطار الذي يدورون فيه إلى تراجيديات شكسبير وبدايات الرومانسيّة العربية. لكنني لا أتجاوز وألغي الاستثناءات النادرة، فلدينا على سبيل المثال كتّاب استطاعوا أن يجدوا لجميع أشكال التعبير الفنية مكاناً في أعمالهم، ولدينا ثلاثية المكتوب مرّة أخرى للروائي أحمد الدويحي في أجزائها الثلاثة كلّها، ورواية العذابات الصغيرة للروائي سليمان الحمّاد، وهو عمل فلسفي قريب من الفكاهيّ. ولدينا كتاب العصفوريّة (إن صحت تسميته بالرواية، بيد أنه في حقيقته ليس سوى نموذج عصري من مقامات الحريري)، ولا شكّ أنّ ثمّة أمثلة أخرى لا تحضرني الآن. تحضرني مفارقة عجيبة: وهي أنّ المجتمعات الرغيدة في الحياة المادية نوعاً ما دائماً ما تبحث عن أحزان لتغنّيها، فأكثر الكتابات السوداويّة المتباكية تأتينا من مجتمعات في قمة أدائها الإمبراطوري والاقتصاديّ في خضم تعاسة رتابة الحياة المرفّهة. في حين يلجأ الكتّاب في المجتمعات الوطيئة كما في أفريقيا وأميركا اللاتينيّة إلى البحث عن شيء من غرابة الفكاهة الساخرة من واقعهم المرير. شيء غريب ولا شكّ!