المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    «المرأة السعودية».. كفاءة في العمل ومناصب قيادية عليا    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    فعل لا رد فعل    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    رسالة إنسانية    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جاسم سلطان: نستهدف تدريب ثلاثة ملايين شاب وفتاة و «الربيع العربي» زاد من عبئنا
نشر في الحياة يوم 11 - 09 - 2012

انطلاقة مشروع «النهضة» كانت على يديه، ومن خلاله بدأ الشباب والشيب في تسلم زمام الأمور وفق مناهج تكفل لهم الاستمرارية والاطراد. يحترم التجربة الغربية، ويرى فيها احترافية في الأداء حري بنا أن نسبر أغوارها، ونكمل الطريق بهويتنا وأدواتنا.
هادئ في الكلمة، قوي في الأسلوب، منتج في العمل. له مؤلفات تمنحك البصيرة لما أنت فيه وما أنت مقبل عليه.
جاسم سلطان من الرموز الفكرية الإسلامية في الخليج. بدأ حياته بدراسة الطب، ومن خلال الجسم البشري وأسراره انتقل للعقل البشري وأفكاره. تتعدد المحطات في حياته، لكن يشملها إطار واحد هو «الإنسان والعقل». يملك ثقافة دينية متأصلة، ويملك تخصصاً في الإدارة منحه قدرة على صنع الاستراتيجيات وصناعة الأفكار. يهتم بالماضي، لكنه يجعل منه فكراً نيراً يستند إليه الحاضر ويسعد به المستقبل.
الدكتور جاسم متفائل كثيراً بالشباب ويراهن عليهم، ويتمنى لو تتاح لهم الفرصة أكثر... فإلى تفاصيل الحوار:
في المصطلحات اللغوية هناك لازم ومتعد، في حياتك أنت من يسطو أكثر اللازم أم المتعدي؟
- إن قصدت باللازم ما أقرره من أعمال وبالمتعدي ما يشعب على الأمر من أمور، فما أقوم به تحديداً هو أن اقسم الأمور لأمور أساسية أضعها في قائمة صغيرة عندي في المكتب، وهي ما أركز عليه ثم في أوقات الفراغ بينها أضع بعض الأمور التي لم أخطط لها، فالغالب عندي اللازم إن شئت.
ماذا تعني حقبة الخمسينات في المجتمع الخليجي؟
- في الخمسينات كانت المجتمعات الخليجية تحبو من جميع النواحي تعليمياً، صحياً، مرافق وخدمات في الفن والرياضة، وكانت العلاقات بين الناس في الأحياء بسيطة ومتداخلة تعرف الجميع والجميع يعرفونك.
النفط هل أفسد علينا براءتنا؟
- النفط غيّر حياتنا ولا أقول أفسدها، فهو من ناحية وبسبب الوفرة المالية غيّر في التعليم والصحة والعمران والخدمات بشكل إيجابي، ولكنه في الوقت نفسه غيّر المجتمع والعلاقات بين الناس بشكل كبير، فالمساكن والأحياء والجيران وأنماط اللقاء والمناسبات كلها أصبحت كثيرة التعقيد.
في الماضي لم تكن تستأذن لزيارة أحد. فأنت تطرق الباب في أي وقت، ولكن مع الحوائط الخرسانية والكتل الأسمنتية المعاصرة، أصبحت علاقات الناس في أحيان كثيرة بعيدة وباردة.
من يستعرض تاريخك الوظيفي يجد تعدد محطاتك، أهي الفرص أم هو الملل؟
- أكملت دراسة الطب، لأنها التزام مع الدولة يومها ودرست العلوم الشرعية رغبة، واخترت الإدارة لأفهم موضوع التخطيط، وركزت على العلوم الإنسانية لأجيب على سؤال متعلق بكيف تخرج المجتمعات من مسار الحضارة وكيف تعود لها، وفي كل ذلك تبعت السؤال وهو ما شكل المسار، فكل خطوة قادت لما بعدها بطريقة ما، وعموماً المتوسط البشري العام هو التغيير 2-3 مرات خلال مسيرة الحياة.
التفكير الإبداعي هل يلاحقك في علاقاتك الإنسانية؟
- إن كان المقصود بالتفكير الإبداعي هنا التفكير خارج الأنساق التقليدية للعلاقات واقصد بها علاقات العمل أو المدرسة أو الأسرة، فعلاقاتي بسبب عملي في مشروع النهضة تدور في فلكه، فلك أن تقول عنها بصورة أكثر دقة إنها علاقات ذات طبيعة خاصة ومركزة حول الفكرة.
القيادات الإدارية عندنا هل هي سبب أزماتنا المختلفة؟
- هناك سلوك القائد المدير وسلوك المدير، فالأول له رؤية وتصور عن المستقبل، ويريد أن يصل بالمؤسسة له، والثاني يريد أن يسير العمل الذي تسلمه كما هو ليسلمه لمن بعده من دون تغيير ولكن الخطورة أن يصل لموقع اتخاذ القرار من لا يملك الملكة القيادية ولا الملكة الإدارية وهو ما يحدث في مجتمعاتنا خصوصاً لأسباب عدة، وبالتالي يصبح ما هو سيئ أكثر سوءاً.
العمل الخيري والأمن الفكري
العمل الخيري عندنا لماذا لا نستقي من التجربة الغربية فيه؟
- نحن قوم نأنف من التقليد ونعجز عن الاجتهاد، والعمل الخيري يقوم به من الناس من هو رقيق القلب ومتحمس للخير ولكن غالباً مع قدر ليس يسير من البساطة وبالتالي لا يرتقي العمل لمستوى الاحتراف ولكن يظل بشكله الساذج غالبا. فأنت إن أردت مستوى احترافياً يجب أن تجعل هؤلاء الخيرين يلتقون بالخبرات العالمية ويتعلمون منها. وستجد معضلة في إقناع البعض بأن ما عند الآخر أقوم وأكثر إحساناً.
«الأمن الفكري» هل يتطلب تحقيقه تكثيف المحاورات والمؤتمرات، أم أن هناك أمراً لم ندركه بعد؟
- الأمن الفكري هو ابن مجموعة عمليات مركبة أولها التدريب الراقي على استخدام المنطق والتفكير الناقد، وثانيها على انفتاح المجتمع على الحوارات الجادة من غير إرهاب فكري فيكتسب بذلك المجتمع قوة في الرأي ووضوحاً في الرؤية تؤهله لأن يدخل إلى عالم الأفكار العالمي بثقة واقتدار.
الأمن الفكري هو ابن الثقة الايجابية في الذات، أي في رؤية المجتمع نفسه أهلاً للحوار مع الآخر. وعنده ما يقوله وهو لا يكتسب هذه الثقة إلا بالتدريب والاحتكاك.
لو طلب منك تقويم قبولنا للآخر والتعايش معه، فما هي منجزاتنا على أرض الواقع؟
- أعتقد أنها اضعف حلقات المجتمع العربي المعاصر بل ومحصلتنا البحثية والنقدية فيها قليلة، فلا على مستوى الفكر لنا في ذلك رصيد ولا على مستوى التطبيق العملي لنا رصيد، خصوصاً بعد تطور الوعي الكوني بفكرة التعايش بشكلها المعاصر، فما زالت ضامرة عندنا وما زال ما أنجزته البشرية من تصورات عن حقوق الإنسان غائباً عن الوعي عندنا بل وأحياناً عندنا ما يعاكسه من مقولات وآراء وقد ندفع كلفة كبيرة حتى نتعلم أسس التعايش الإنساني السليم.
يرى البعض أننا لا نعيش صراع حضارات وإنما هو صراع مصالح.. ما رأيك؟
- صراع الحضارات وحتى تعايش الحضارات هو ابن فكرة المصالح. فقوام الحياة الإنسانية في جوهره هو تبادل مصالح، فقط بعض المصالح مشروعة ويتم تبادلها بسلاسة.
وبعضها غير مشروع وتوجد حالات عنف كالفتح والاستعمار والهيمنة. لكن في العمق هناك المصالح فهي كلمة ارتبطت بالذم، ولكن جوهرها عملية تبادل المنافع بين الخلق.
كيف يتأتى لنا أن نطرح «الإسلام» كمشروع في الحركة الإصلاحية لأوضاع العالم المتردية؟
- ذاك أمر يحتاج لعمل جبار ذي شقين. الأول التأكد من المنظومة القيمية على ثلاثة مستويات.. مستوى نسقها الكلي وتعريف كل قيمة ومستوى العمق الفلسفي للقيمة وسبب مرتبتها بين بقية النسق.
ثم مستوى إجرائي لتحويل القيمة لإجراءات عملية، ثم مستوى حماية القيمة من التزييف أو الاختراق. أما الشق الثاني فهو تجسيد القيمة على مستوى عملي بحيث يرى الناس القيمة كيف تشتغل في بيئتها التي تطرحها وكيف يعيش بها أهلها أولاً. هكذا يصبح كلامنا مع العالم ذا جدوى.
التفكير الإبداعي
التفكير الإبداعي هل سنصل إليه في ظل الوصاية المطلقة؟
- العمل الإبداعي بطبيعته هو خروج عن القالب المتداول. هو تفكير خارج الصندوق. ووضعه تحت شروط هو قتل له. فحين تقول لرسام أريدك أن تبدع لنا لوحة فنية إبداعية ليس لها نظير ولكن عليك أن تلتزم بألا تخرج عما رسمه فنانونا السابقون، فكأنك قلت له كرر رسوماتهم. كل أشكال الوصاية والقسر والقهر تقود لقتل الإبداع. وفي ظل القهر حين يبدع المبدعون غالباً ما يكون ذلك بكلفة عالية جداً قد تصل للتضحية بأرواحهم.
طبيعة الشرط التاريخي التغير والتحول، هل يتوافق الأمر مع المسألة الحضارية والعولمة؟
- محركات التقدم ثلاثة. نشاط النظرية النقدية. القدرة على تحويل القيم لإجراءات. احتضان الإبداع. وكل الحضارات بدأت في ظل ظروف صعبة، ولكن باستمرار بتركيب المحركات الثلاثة تغلبت على ما يعوقها وعلى ظروف عصرها، وأوجدت لها مكاناً تحت الشمس.
بصورتنا الحالية هل استطعنا الوصول إلى مرحلة تفاهم مع العالم؟
- لا أعتقد أننا فهمنا العالم الذي نعيش فيه ولا العالم فهمنا. هناك أصوات مختلطة تصدر من عندنا. فمرة نتكلم عن الحرب الزؤام. ومرة نطالب بالتعايش الكوني. ومرة نقرر المساواة بين البشر.
ومرة نقول نحن مختلفون. عندنا من يطالب بالذوبان في العالم وعندنا من يرى أن نجعل ما بيننا وبينهم سدى، فهم شر مطلق وخطر على الدين والدنيا. أصوات مختلطة لا يستبين منها الآخر على وجه التحديد ماذا نريد.
أي الأبواب أسرع لنصل بالتفكير الإبداعي للعقلية الخليجية؟
- الإبداع يحتاج لتصورات خارج النسق. يحتاج لبيئة حاضنة. يحتاج لمحفزات ومنشطات، وبالتالي انتشار الفكر في الخليج وتطور الوعي الاجتماعي بأن التقدم هو ابن الإبداع لا تكرار ما سبق.
ووضع محفزات للمبدعين وتسهيل عملهم سينقل البيئة لفضاء جديد. يجب تسهيل إنشاء الشركات والمؤسسات الخاصة وتوفير الدعم للمشاريع الناشئة من دون بيروقراطية قاتلة.
التغيّر أول مفاتيح التفكير المبدع. لماذا تأخذ هذه المسألة وقتاً لدينا أطول من غيرنا؟
- هناك تراث ضخم من المقولات الدينية والشعبية التي أنتجت في عصور التخلف وأصبحت بديلاً عن الدين الناصع والعقل الراشد وهي تحكم اللاشعور. وتحرسها في واقع الناس مؤسسات قائمة وأفراد يرون كل جديد شراً مستطيراً لا بد من وقفه.
بين فرض العين وفرض الكفاية تاهت قضايانا.. ما رأيك؟
- ترتيب الفكر الإسلامي في نسق يضع كبريات الأمور وأولوياتها في المقدمة أصابه اختلال كبير وهذا الاختلال جعل فقه الخلاص الفردي طاغياً وهو ما همش تموقع الفقه الكفائي في العقل والواقع المسلم فهي تبدو كمنطقة تسمى وليس لها مسؤول محدد بحيث أن ذكرها وعدمه سواء.
ولو كان العقل المسلم مدركاً أن المجتمعات هي بنت النظم والمؤسسات وهي الأبقى بعد الشخوص والأفراد والتفت الناس لضرورة إصلاح ما به قوام المجتمع لخلقنا مجتمعات قوية والفرد فيها صالح أيضاً. إن الخطورة الحقيقية أن فكرة الخلاص الفردي وتغييب فروض الكفايات بل وغموضها في العقل المسلم ما زالت تعمق عبر تكرار تراث عصور الانحطاط.
مشروع النهضة الذي تشرف عليه.. كيف هي معطياته. وإلى أين سيصل؟
- نحن نسهم في مشروع النهضة العربية والإسلامية ونستهدف تدريب ثلاثة ملايين شاب وفتاة في المنطقة في برنامجنا. هؤلاء هم شباب الأمة وبوعيهم تقوم الأنشطة المختلفة في الأمة. وترشيد هذه الكتلة الحرجة هو هدفنا، وبعد ذلك يكملون هم المسيرة.
«الربيع العربي» هل ينسجم مع مشروع النهضة ويواكب التطلعات؟
- «الربيع العربي» كما يحلو للبعض أن يسميه وسع من الطلب على مادة مشروع النهضة، وزاد من العبء التدريبي والاستشاري بشكل خيالي.
كيف هو التباين بين الشباب والكبار في رؤيتهم لمشروع النهضة؟
- هناك تباين أجيال لا شك. فالشباب يستشعرون الحاجة لمواجهة العصر بأدوات مكافئة له، بينما بعض الكبار قد أغلق القوس ولم يعتد استقبال أي جديد. وقلت بعض الكبار لأننا نشهد من هم حتى في السبعينات والثمانينات يحضرون هذه البرامج بمنتهى الحماسة.
ما العقبة التي تقف في مسيرة مشروع «النهضة»؟
- الجزء الذي نحمله من مشروع «النهضة» وهو الانتقال من مرحلة الصحوة لمرحلة اليقظة أهم ما يعوقه ضيق الأوقات وكثرة الحاجة. أما مشروع النهضة عموماً في الأمة فجزء كبير مما يعطله هو ضيق فضاء التسامح الفكري وقبول الاختلاف. وانحراف مفهوم النهضة لمفهوم التنمية.
لك تجربة مع إعداد وإنشاء عدد من الاستراتيجيات لعدد من المؤسسات، كيف ترى تعاملنا مع الاستراتيجيات وتفاعلنا معها؟
- في معظم الأحيان لا ينظر للاستراتيجية باعتبارها أداة حسم المصير بل باعتبارها أداة تسويق ومباهاة ولذلك لا يكون صانع القرار الحقيقي معنياً حتى بالاشتراك في وضعها ويتركها لأشخاص آخرين. وتستمر المؤسسات في العمل بطرقها التقليدية بعد وضعها لأن الاستراتيجية والقرار متلازمان، وعندما يغيب القرار تصبح الاستراتيجية أوراقاً لا معنى لها.
التدين والأزمات
الأزمات بشكل عام هل تساعد في ارتفاع وانخفاض مؤشر التدين عندنا؟
- حالة التدين فيها المستوى العام المستقر وهناك تدين الأزمات كما يحدث عند البعض في أيام الامتحانات أو بعد النكبات السياسية والاقتصادية أو حالات الوفاة.
اللحاق بالماضي ألا يعرقل مسيرة الحاضر للمستقبل؟
هناك من يهتم بالتاريخ بقدر اتصاله بالواقع المعاصر. وهو يزوره ليتعرف على سبب خلل معاصر أهملنا علاجه في الماضي. وهناك من يعود للماضي لينتجه في الحاضر، فهو عالق في الماضي يتلبسه لغة وروحاً وقضايا وهذا النوع من العلاقة مع الماضي يعطل مسيرة المستقبل قطعاً.
ما مدى تفهمنا كمجتمع للممارسات المذهبية والعقائدية في بلادنا؟
- لا نمتلك تاريخياً ثقافة التعايش عكس ما يعتقد البعض. ولم نبن فكراً مقاوماً للفتنة. لم يوجد في الماضي عندنا تراث يحلل قلب وقالب الفتنة. ولم نتعامل مع الموضوع في هذا العصر بما يستحقه من اهتمام.
بين التجربة التركية والتجربة الإيرانية في التحديث الاجتماعي، أين تقع التجربة السعودية؟
- طبيعة المجتمعات مختلفة من نواح كثيرة تجعل المقارنة صعبة، فالدولتان تركيا وإيران مرتا بمرحلة علمانية تبنتها الدولة، كما مرتا بتخطيط مركزي في مجالات التصنيع وتغيير أنماط الحياة. وبالتالي يصعب القياس مع حال الدول العربية باستثناء تونس.
من دون لحية.. ألا يمكن للخير وللشر أن يصلا؟
- اعتقد أن الجميع متفق على أن الإسلام فيه الضروريات والحاجيات والتحسينيات. من الصعب أن يختلف اثنان على أن الهدي الظاهر كاللحى والثياب تقع في دائرة التحسينيات. ولكن البعض فقط يضع كل الدين في مرتبة واحدة، وهو ما يخلق الإشكال.
من الذي أفسد علينا قراءتنا للنصوص الدينية؟
- اعتبار المنهج الذي نتج في مرحلة من التاريخ ثابتاً من الثوابت وفي مرحلة مبكرة وعدم الإقدام على تطوير أدوات جديدة لمقاربة النص والحادثة التاريخية بل ولا حتى تطوير ذات الأدوات أدى لتجميد النص عند أول قراءة، متناسين أن القارئ للنص لا ينفصل عن ثقافة عصره وأن أدواته لو كانت مختلفة لأنتج فهماً مختلفاً. كل اختلال في جوهره هو ابن القارئ والمنهج. وما لم يعد النظر في الاثنين، فلن يتم أي تجديد صالح للعصر، وسيظل عملنا هو الالتحاق لا الاستباق.
في مجتمعنا.. لماذا الكل يهاجم الكل تاريخياً ولا نجد من يدافع عن الجغرافيا التي استوعبتهما معاً؟
- من الواضح أن فكرة الوطن وأمن الوطن واستقرار الوطن وفكرة العدالة والحرية أفكار ضامرة في الوعي العام وبالتالي فحين يتم إشعال فتيل الفتن في الأوطان فالتاريخ غني كمصدر للمبررات، وبالتالي يتم اغتيال الحاضر من دون وعي أن رقعة الأرض التي نعيش عليها قابلة للمصادرة من الجميع حين يخترب المجتمع.
الليبرالية والمجتمع
لماذا الليبرالية سيئة السمعة ولا يؤخذ من الجدل فيها سوى حرية ممارسة المرفوض عقدياً واجتماعياً؟
- الليبرالية اليوم الواضح أنها في أحسن أحوالها فكل الحراك السياسي في الوطن العربي مر عبر مفرداتها ومنتجاتها فالديموقراطية والتعايش والمساواة والمواطنة والدستور والبرلمان وفصل السلطات كلها لغة ليبرالية وبنت عصرها.
والواضح أن الليبرالية انطبق عليها أنها أوسعت شتماً ومضت هي بالإبل قياساً على المثل العربي «أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل».
والتركيز على الجزء الذي تمثله الحياة الأوروبية في علاقاتها الجنسية واختزال الفكرة فيه يظهر أنه لم ينجح في وقف زحف الفكرة. وهو درس للتأمل والنظر.
الطبقة المتوسطة في المجتمع هل فقدت حضورها واتزانها في الحياة؟
- فكرة الطبقة المتوسطة فكرة ولدت في الغرب وهي تعني في منشأها الأفراد الذين لم يكونوا نبلاء ولم يكونوا فلاحين برزوا كشريحة عظيمة مع نشوء الموانئ الغربية في بدايات التحول عن النظام الإقطاعي، ولم يكن لهم توصيف في النظام القديم فأطلق عليهم الطبقة المتوسطة وبرزت منه شريحة الرأسماليين والتجار.
والبعض يستخدمها عندنا للحديث عن طبقة الموظفين وما يقاربهم من الناحية الاقتصادية. ويعتبرها الطبقة الحافظة لقيم المجتمع. وهي في الحالة الأوروبية كانت منبع كل التحولات الرأسمالية والليبرالية ومن بعدها الديموقراطية واعتقد عندنا دورها اليوم لا يتعدى حفظ القيم.
هل نحن كخليجيين متعنصرون بطبعنا؟
- العنصرية هي نظرة دونية للآخر لسبب من الأسباب وغالباً ما تكون نظرة متعلقة بالعرق أو المذهب أو اللغة أو الدين وتؤدي لاحتقار الآخر بدرجة من الدرجات وفي أقصاها تؤدي لهضم الحقوق وربما لصور الاعتداء الجسدي وشرعنه كل ذلك. وبعض مظاهرها حاضر في المجتمعات الخليجية وبدرجات مختلفة سواء على مستوى القوانين أو الممارسة اليومية. ولكن كل ذلك وصف نسبي بطبيعة الحال.
وجود القنوات الفضائية ك«الجزيرة» و«العربية» وغيرهما هل أثر في مسارات المجتمع العربي؟
- ليس هناك من شك أن الإعلام الفضائي أسهم مساهمة كبرى في التأثير على الأحداث ومن ذلك «الجزيرة» و«العربية» وقل ذلك عن الشبكة العنكبوتية.
يرى البعض أن قناة مثل «الجزيرة» لا تمارس الإعلام للإعلام ولكن لأهداف وتوجهات يغلب عليها المد والجزر.. ما رأيك؟
- للناس الحق للنظر ل «الجزيرة» كل من زاويته فتلك طبيعة الأشياء ويمكن الحديث عن النوايا والحرفية والأجندة والمهنية... الخ. ولكن بغض النظر عن التقويم فالشيء المتفق عليه أن تأثير هذه القنوات كبير على المشهد.
ما مدى احترام المؤسسات الثقافية والإعلامية للشباب العربي وتوجهاته ومنحه فرصة العيش الكريم؟
- في قلب كل الاضطرابات موضوع الأجيال الجديدة ومستوى الحياة الكريمة والحريات التي تتمتع بها وهي عقد المنشار العربي فالواضح أن صوت الشباب وتوقه للعيش الحر الكريم لم يصل بعد للآذان.
هل تشعر بأن شبابنا لا يجد متنفساً له في أروقة مجتمعنا؟
- نعم ولذلك تحول الشباب للفضاءات الافتراضية ليعبر عن نفسه وأشواقه.
ماذا سيختلف في الجيل لو كان الفكر والفلسفة من مقرراته الدراسية؟
- هناك مفارقة كبيرة في حياتنا، ففي حين نريد زيادة التعليم والارتقاء به، ولكننا نخاف من التفكير والتفكر والفلسفة والتفكير الناقد أساس كل العلوم فلم يعد هناك علم لا تسبقه فلسفته الحاكمة اليوم.
في العالم يعتبر تعليم التفكير الناقد أساس العلوم وأساس التدريب العقلي. والجيل اليوم منتبه لأهمية التفكير الناقد ووسائل تواصله معه مفتوحة اليوم فالعصر لم يعد ينتظر إذن احد.
رفض العائد الثقافي والاقتصادي الناتج من الأفلام هل هو مرتبط بحجة دينية عندنا فقط؟
- الخوف من الفنون بأشكالها مرتبط بمخاوف دينية لا شك. ولكن الأمور تتزحزح فعلاقة رجل الدين اليوم بالإعلام ليست ذات موقفه السابق الرافض مثلاً حتى للتصوير.
حركة التاريخ أحياناً أقوى من الآراء الاجتهادية ولن يطول الوقت حتى تتغير النظرة لكل الأدوات التي خلقها العصر ومنها السينما وسيصبح النزاع حول المحتوى وليس حول السينما ذاتها. كل ذلك تم من قبل مع عشرات القضايا ولكن بعضها يأخذ وقتاً أطول.
كيف ترى التنافس الأوروبي - الأميركي في الخليج؟
- الخليج والبحار العربية والقريبة للأسف اليوم سطحها وباطنها توجد فيه كل القوى العالمية والإقليمية التي تمتلك زمام التقدم العلمي ونحن ضيوف على هذا العالم وحين ندخله فعلى أدوات من صنع الآخر وربما بإذنه.
القرار في دول الخليج.. هل تتوقع أن يكون هناك قرار خليجي واحد؟
- كلنا نأمل ذلك فالمستقبل غامض وبالكاد يمكن درء المخاطر بتوحيد الجهود.
الخلافات الخليجية - الخليجية.. كيف نجنب الشعوب تبعاتها؟
- تلك معضلة ليس لها حل سوى وعي الشعوب.
لماذا حراك قطر لا ينسجم مع عقلية مجلس التعاون؟
- يختلف الساسة في النظرة للعالم وتحديد السقف والممكنات، وبالتالي تختلف تحركاتهم هذا على الأقل ما يظهر.
الاستيراد المعرفي والثقافي.. كيف نحوله لتصدير محلي؟
- هناك طاقات ضخمة مثقفة في المنطقة ولكن عمليات التوصيل والإشهار فيها مشكلة فما زال هناك قدر من الإشكال يواجهه المبدعون في دولهم أولاً نتيجة للتجاهل وينعكس على معرفتهم في الخارج.
هل بدأ المجتمع الخليجي يعيش ثقافة سياسية، أم أنه يعاني من أمية مستفحلة؟
- الخليج ليست فيه أمية سياسية ولكن ظروف الوفرة المالية النسبية تجعل سقف مطالبه منخفضاً في العموم، وبالتالي فهو لا يمارس النشاط السياسي إلا باعتباره شيئاً ثانوياً.
الطائفة والقبيلة لماذا تسحبان البساط من الوطن في مجتمعاتنا؟
- حين تنسحب الدولة من حياة الفرد تتمدد الأشكال البدائية والأولية. فكل فراغ سيجد من يملأه. ففي كل تمدد لحالة مما ذكرت فسببه حاجة للفرد لم تؤمنها مؤسسات الدولة الحديثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.