د. بندر آل جلالة - الاسلام اليوم يعتبر مفهوم النهضة من أكثر المفاهيم الفكريّة مداولةً، وفي نفس الوقت من أكثرها غموضًا، ولهذا يقول المؤرخ والمفكر هشام جعيط: "لقد تصفّحت الدراسات الحديثة فلم أجد أي تعريف أو وصف مقنع لمفهوم النهضة"، ولكن يمكن أن نعتبرها عبارة عن أفكار حيّة تلتقي في بيئة ركود فتثيرها وتفعّلها، ثم تُدخلها في دورة حضاريّة كما يقول الدكتور جاسم سلطان. لقد أعادت الدول الغربيّة إحياء الفكر اليوناني الفلسفي والعلمي، إضافةً إلى استفادتها من المنجزات الإسلاميّة، وقدمت إضافات إليها، فبنت نهضة شاملة منذ ثلاثة قرون، ولاتزال متفوقة في معظم المجالات على شعوب الأرض، بينما بدأت محاولات بعض المسلمين منذ (150) سنة في سبيل بناء نهضة إسلاميّة إلاّ أنها واجهت عقبات وإخفاقات منذ ذلك الوقت وحتى الآن. وحين يُقال إن تيارًا ما يعاني من " فقر نهضوي" فإن ذلك يعني أنه لا يملك ما يكفي من أفكار ومشاريع لبناء نهضة شاملة، ويكون ذلك جليًّا في خطابه وآليات ممارسته. وسوف أركز هنا على مناقشة بعض الأفكار والممارسات لتيارين في السعودية كانا ولا يزالان لهما صولات وجولات في محاولة النهوض بالمجتمع. و بالطبع ليس بناء النهضة محصورًا بينهما؛ فهنالك جهات عديدة، ولكن يظل لهما تأثيرٌ واضح سواء أكان ذلك إيجابيًّا أو سلبيًّا. ولو تأمّلنا في خطابهما وممارساتهما خلال العشر سنوات الماضية لوجدنا أن هنالك فقر في الأفكار و المشاريع النهضويّة الحضاريّة، ولذا أصبح المجتمع يلتفت هنا وهناك، ولا يجد إلاّ القليل، إضافة إلى أنه أصبح منزعجًا من صراخ بعضهم على بعض دون تقديم ما هو مهم. سوف أصف شيئًا من ملامح الفقر النهضوي لدى كل تيار على حدة ثم بعض الملامح المشتركة بينهما. من ملامح الفقر النهضوي لدى التيار الإسلامي: لست هنا بصدد تقييم كل ما قدّمه هذا التيار لمجتمعنا، ولكن سوف أركّز على بعض النقاط التي لها علاقة بقضية النهضة والدعوة إليها. ففي ظني أن هنالك العديد من الأسباب التي أدّت إلى قلة إنتاج أفكار ومشاريع نهضويّة منها: 1- يتميز الإسلاميّون بأنهم أكثر اهتمامًا بالشباب ولهم جهود مشكورة والتاريخ والواقع يشهدان بذلك، ولكن في نفس الوقت كان هنالك ضمور في التعامل مع بعض الشباب أصحاب الإمكانات العقليّة العالية؛ فكما هو معلوم فإن الأفكار العظيمة والمشروعات النهضويّة الكبرى هي نتاج عقول مبدعة مفكرة، و دفنها سيؤدي إلى مزيدٍ من التخلّف. وهنالك العديد من الشواهد منها: أولاً: البعض يُربي الشباب على التبعيّة التامّة ولو بطريقة غير مباشرة، ولا يمنحونهم قدرًا من الاستقلاليّة في التفكير، بل يعمدون إلى التدخّل في حياتهم ونمط معيشتهم وبنائهم لذواتهم بحجة أنهم أكثرُ تجربة وخبرة منهم. ثانيًا: هنالك تخلّف في تقديم بعض البرامج والأنشطة الشبابيّة، فبعض القائمين عليها يكرّرون أنشطة قديمة سطحيّة تجاوزها الزمن، ومن المؤسف أن نجد برامج يتم تقديمها لشباب الجامعة، في حين أنها كانت تُقدم قبل عشرين سنة لطلاب الابتدائي!! كما لا يوجد عند بعضهم قدرة على إيجاد برامج مطورة تساهم في صقل العقول المُفكّرة. ثالثًا: البعض يتعمد عدم فتح المجال أمام الشباب لنقاش بعض القضايا والأفكار التي يُضفى عليها نوع من القداسة وهي ليست كذلك، وهم بذلك يكرّسون تضييق الخناق على عقولهم لكي لا تفكر ولا تحاور إلاّ في الأمور السطحيّة والساذجة أحيانًا، ويردّدون دومًا "قال العلماء" و "قال السلف"، ولا يمكن أن يقولوا: "قال العالم الفلاني كذا والآخر خالفه في كذا"، أو "قال بعض السلف كذا وآخرون قالوا كذا"، ولذا فقد تفاجأ الكثير منهم ببعض من كان بين أيديهم وقد أصبحوا يطرحون آراءهم بجرأة في الفيس بوك وتويتر دون أن يقبلوا من غيرهم التصحيح؛ لأنهم أحسّوا بالكبت كثيرًا، بينما لو تمّ فسح المجال لهم ومحاورتهم بالإقناع لما رأينا تلك التجاوزات الخطيرة - أحيانًا -. رابعًا: قصّر الكثير منهم في توجيه الشباب نحو الفكر والقراءة الفكريّة، بل لم يكن للفكر والثقافة وجود يوازي المسارات الأخرى، فمعظم جهودهم تتمحور حول بناء الداعية والخطيب والمربي وغيرها، دون أدنى اهتمام ببناء المفكر أو حتى المثقف، والسبب الرئيس في ظني هو أن فاقد الشيء لا يعطيه. خامسًا: غرس بعضهم في أذهان الشباب نظرة قاصرة عن العمل الجماعي، ولذا كان التعصّب الأعمى للشيخ أو للجماعة سمة بارزة لدى بعض الشباب، كما أنهم لم يُدرّبوهم على العمل المؤسّسي الإداري الذي يمكن أن يحوي أطيافًا متنوعة، بل حتى لو أراد بعض الشباب العمل والانتاج بشكل فردي مستقل في ظل الارتباط العام فإنهم يثنونهم عن ذلك، ويقفون ضدهم وقد يعتبرونهم خارجين عن طريق الاستقامة والدعوة!! 2- يزعم البعض بأن لديهم أفكارًا ومشاريع لعلاج الكثير من القضايا والنهوض بالمجتمع في عدة مجالات، و يتعذرون بأنهم لا يجدون صوتًا إعلاميًّا، وأعتقد أننا لو كنا نسمع ذلك قبل الانفتاح الإعلامي لقلنا هذا صحيح، ولكن واقع الإعلام اليوم بكل صوره يؤكد أن الجميع بإمكانه نشر فكرته ومشروعه في وقت وجيز، فلم يعد مجتمعنا مهتمًّا - كما كان - بالصحف الورقيّة، بل اتجه بشكل واضح إلى الإعلام الجديد والصحف الإلكترونيّة بشتى أنواعها. ولعل الجميع يلاحظ أنه حين تكون هنالك قضية أو فكرة يتصارع فيها بعض الإسلاميّين مع الليبراليّين فإننا نجد في الإنترنت وبعض القنوات المحافظة ارتفاعًا قويًّا في الرد، فلماذا لا يكون التسويق لمشروعاتهم - إن وجدت - بمثل تلك القوة؟!! 3- تفتقد كثير من مشاريع الإسلاميّين إلى التنظيم الإداري ولديها وهن في التخطيط؛ فمعظمها تكون مرتبطة بشيخ أو داعية، وإذا انشغل عنها تحلل المشروع، كما يغلب على معظمها طابع العمل بدون أجور مما يساهم في عدم النجاح على المدى المتوسط والبعيد. 4- لدى بعضهم غلظة وغرور لدى نقاشهم مع من يختلفون معهم، حيث يحاربونهم، ويرون أنه لا يوجد في الدنيا رأي راجح غير رأيهم ورأي علمائهم، وأن الآخرين لا يمتلكون أدنى حقّ في نشر آرائهم الفقهيّة والاجتماعيّة، وبذلك يُجهضون ولادة أفكار ومشاريع نهضويّة قد تفيد المجتمع. 5- حين تخرج بعض الأفكار والآراء التي قد لا تناسب مجتمعنا يتصدى كثيرون للدفاع والردّ، وقد يكون أغلبهم غير متخصص، وذلك يؤدي إلى عدة مساوئ من أهمها إشغال الساحة الفكريّة بالردود وتوقف إنتاج ونشر أفكار ومشاريع نهضويّة، ولا بأس أن تكون هنالك فئة يكون الردّ على الأفكار الأخرى تخصصًا لها، لكن لا ينبغي أن يكون الجميع على ذات النهج. 6- في بعض الأحيان إذا برز خطيب مُفوّه أصبح يُقدّم على أنه رائد من رواد النهضة، ولذا فقد ينشر أفكارًا تزيد من التخلّف. 7- يعمد بعضهم إلى الرجوع لحال السلف في النظر والحكم على أمور لم توجد في زمانهم، أو قد تكون وجدت ولكن الظروف المحيطة مختلفة مما يجعلهم خارج العصر. 8- هنالك تقصير كبير في تدريس ونشر علم مقاصد الشريعة، و معروف أن لهذا العلم أهمية في الحكم على كثير من مستجدّات العصر الحضاريّة، ولذا فقد أدّى ذلك إلى تحجيم بعض العقول عن رؤية القضايا المعاصرة برؤية الإسلام الشاملة. 9- يرفض بعضهم الظهور في بعض وسائل الإعلام بحجة أن فيها مخالفات، ومن حقهم ذلك لكن العجيب أن يرفض الظهور، ثم يشتكي مما يُعرض!! 10- لدى بعضهم هوس شديد في استخدام الشعارات العامة التي قد يتفق عليها الكثير، ولكنهم يفتقدون لرؤيةٍ وآليّةٍ منهجيّةٍ لتفعيلها. 11- قد يكون لدى بعضهم رؤى فكريّة نهضويّة رائعة ومميزة للغاية ولكن للأسف لا يمتلكون أدنى أدوات ومهارات التأثير، وليس لديهم معرفة وقدرة على التعامل مع القوالب الإعلاميّة المختلفة. 12- بعضهم نشؤوا في بيئة منغلقة لا تعرف من العلوم سوى العلوم الشرعيّة، ولم يكن لهم بناء ومعرفة راسخة ببعض العلوم الأخرى كالسياسة وعلم الاجتماع والإعلام وعلم النفس وغيرها، ولذا فقد شاهدنا بعضهم وهم يأتون بالعجايب، ولعل هذا الانغلاق هو السبب الرئيس في عدم قدرتهم على تحسين الوعي الفكري والسياسي لدى المجتمع ، كما أن البعض منهم لم يسافر ليتعرف على الشعوب الإسلاميّة الأخرى، ولذا نشأ لديهم قصور في فهم الواقع الحقيقي للأمة الإسلاميّة. من ملامح الفقر النهضوي لدى التيار الليبرالي: أشعر بالخجل الشديد حين أتحدث عن بعض من ينتمي لهذه الفئة، لأن غالبيّة من يطلق على نفسه هذا المصطلح لا يؤدي أهم ما فيه من منح الحريّات للآخرين. ولكني مضطر لاستخدامه؛ لأنه أصبح يدور ويسري في الساحة الفكريّة؛ فالعقلاء يعرفون ماذا تعني الليبراليّة، ويعرفون تاريخها وأماكن انتشارها وعلاقتها بالأديان. هذه بعض الملاحظات على من يصرح بانتمائه لهذا التيار، كما أن معظمها ينطبق أيضًا على من يدعو لقيام نهضة مقطوعة عن الجذور الإسلاميّة أو مبنيّة على أسس هشّة، ومن يدّعون أنهم أهل الحرية والتطوّر والانفتاح. 1- يتميّز معظمهم بالتفكير السطحي وعدم القدرة على المناقشة العميقة؛ فتجدهم يتحلّلون حين يتم تسليط الضوء عليهم، كما أن لديهم ضمورًا شديدًا جدًا في التفكير، ففي أحد البرامج الحواريّة كانت تُناقش إحدى قضايا المرأة، فإذا بأحدهم يُصرّ على أهمية وجود امرأة في الاستوديو تتناقش معهم، ثم يصرخ في وجه خصمه متعجبًا من رفضه، فيرد الخصم بقوله إن صوتها بالهاتف يوصل الفكرة، ثم يرفض الليبرالي ذلك، ويتخذ منه دليلاً على عدم السماح للمرأة بالتعبير عن رأيها!! وبغض النظر هل من الأفضل أن تظهر المرأة أم لا، لكن انظروا كيف هي السطحيّة في التفكير والحوار والحكم على الأمور. 2- لدى معظمهم عشق وهيام بالظهور الإعلامي ومخالفة السائد من أجل الشهرة والتصدّر، ومن النادر أن تجد أحدهم يساهم في خدمة مجتمعه والنهوض به دون أن تكون الفلاشات حاضرة، بل نجد الواحد منهم - عندما يجُرى معه حوار في وسيلة إعلاميّة عربيّة أو غربيّة - يتحدث بفخر واعتزاز في كونه ليبراليًّا منفتحًا وأن غيره منغلق رجعي. 3- منهم من يدّعي الرغبة بالنهوض بالمجتمع في نفس الوقت يمارسون أنواعًا من العمالة المقيتة. 4- هنالك عدد من الليبراليّين الغربيّين أكثر مصداقيّة من بعض هؤلاء. 5- حين يوصف بعضهم بأنهم يحتكرون الإعلام الورقي يبادرون بالردّ بأن الإسلاميّين يسيطرون على منابر المساجد، وأعتقد أن هذا ردٌ في قمة السطحيّة؛ فكل عمل يتطلب مهنيّة؛ فالإعلامي يحتاج معلومات ومهارات إعلاميّة والخطابة تتطلب معلومات شرعيّة وثقافة عامة ومهارات خطابيّة، وكلٌ يذهب للمسار الذي يتقنه. 6- يدَّعون دومًا بأن الليبراليّة في بعض الدول مختلفة عن بعضها وهذا صحيح، ولكنهم لا يذكرون أن كل تلك الأنواع من الليبراليّة تتفق على أمر هام وهو ترك فرصة للآخرين للتعبير عن آرائهم، وبالطبع فهذا مفقود لدى غالبيّتهم. 7- أكثر أطروحاتهم تدور حول حقوق المرأة، وأفضل ما قيل عن بعضهم إنهم دومًا ينادون بحقوق المرأة، وهم من أسوأ الناس تعاملاً مع زوجاتهم وقريباتهم، وهذه بشهادة أحدهم في برنامج فضائي مشهور. 8- يدّعي بعض مقدمي البرامج أنهم من دعاة حريّة التعبير، و لكن حين نتابع إدارتهم للحوارات نجدهم وبشكل صارخ يقفون بالرأي والمساندة مع طرف ضد الآخر، وهنالك عدة برامج أسبوعيّة من يتابعها يلحظ ذلك بشكل واضح. 9- شاهَدَ الجميع كيف تُدار الحملات الإعلاميّة ضد بعض الرموز، وبغض النظر عن صحّة أو خطأ ما يُقال عنهم دعونا نتساءل: إذا كانوا يدّعون أنهم يسعون لنهضة المجتمع فلماذا لا يقومون - مثلاً - بحملات مشابهة لرفع الوعي لدى الشباب في كافة المجالات؟!! 10- بعضهم ينطلق من دعوته للنهوض بإنكار غريب لدور الحضارة الإسلاميّة في الحضارة المعاصرة. 11- بعضهم يهاجم التيار الإسلامي ليس بسبب تحفّظه على بعض أفكاره، بل بسبب الحقد الدفين على بعض المنتسبين إليه، فبعضهم كان إسلاميًّا، ثم انقلب لوجود حساسيات شخصيّة، وأعتقد أن الإنسان السويّ الواثق لا يغير مسار حياته من أجل الانتقام من فئة. 12- منذ سنوات عديدة وبعضهم يناقش قضايا معدودة - في معظم أطروحاتهم -، وبغض النظر عن أهميّتها من عدمها نرجو أن ينظروا في بعض الدول المجاورة كيف طبّقت كل ذلك، في نفس الوقت نعتبر أكثر تقدّمًا منهم، ولو افترضنا أن كل ما يريدونه من تلك القضايا قد تحقق فهل سينتهي دورهم؟!! 13- إذا صدرت فتوى من عالم ولم تَرُق لهم قاموا بحربها بحجّة أن قائلها لا يفهم الواقع، وأن معرفته قاصرة وعلمه ضعيف، بينما لو صدرت فتوى تؤيّد رؤية لهم قاموا بإزعاجنا بتمجيد قائلها، وحتى لو اتفق الجميع أنه غير متخصص. 14- كثير منهم يسعى ليطلق عليه لقب "ليبرالي" كنوع من مسايرة الموضة، ولكي يشعر بأن له جاذبيّة إعلاميّة. ملامح مشتركة بين بعض الإسلاميّين وبعض الليبراليّين: 1- من أهم الأمور التي اعتمدت عليها النهضة الأوروبيّة الحديثة هي إبراز العلماء في كافة المجالات، و لو نظرنا إلى جهد التيارين في إبراز أسماء علماء وباحثين سعوديّين لوجدنا أنه قليل جدًا مقارنة بما قد يحتفيه كل منهما بمن ينظم تحت لوائه. 2- أكثر ما يؤجّج تلك الصراعات السطحيّة هو بعض إعلام التيارين، فبدلاً من أن يهتم بنشر الأفكار والرؤى النهضويّة يسرف في نشر الردود والتشنّجات. 3- القراءة هي أهم محرك لنهضة الشعوب، وحين تُقام معارض الكتاب فهي لذلك السبب، لكن ما عشناه في السنوات الماضية في معرض الكتاب الدولي بالرياض من مناظر وقصص، فلا يمكن لعاقل أن ينظر إلى كثير منها على أنها تقود المجتمع نحو نهضة حضاريّة، فبدلاً من أن يهتم إعلام الطرفين بإبراز أهميّة القرّاء ونشر أهم الكتب القيمة وحثّ المجتمع على الذهاب للمعرض نجد ما لا نستطيع حصره من صراعات وحساسيات ومضاربات- أحيانًا -، حتى إني كنت أجد بعض الزوّار ليس لهم علاقة بالثقافة فأستبشر بوجودهم، ولكني أتفاجأ بأن معظمهم يصرح بأن سبب حضوره هو لمشاهدة ما ينقله إعلام الطرفين من معارك وخصوصًا في الإعلام الورقي!! 4- بعض منتسبي هذين التيارين يقولون إنهم أصحاب الوسطيّة ولكن دون أن يحدّدوا الطرفين، و كلاهما يقول نُبقي الثوابت ونغير في المتغيرات، حيث يضعونها بشكل عائم دون أن يوضحوا كثيرًا من الحدود الفاصلة بينها. 5- بعض منتسبي التيارين لا يتحدثون عن كثير مما تحتاجه الأغلبيّة الصامتة من المجتمع. 6- بعض منتسبي التيارين لديهم اختلال في التعامل مع "الفن" وقوالبه، فبعض الإسلاميّين ينظر له على أنه فسق، وهو لا يدري أصلاً ماذا يعني الفن؟!! ولا يعرف أثره في بناء النهضة، وبعض الليبراليّين استخدموا الفن بشكل شهواني ولتمرير بعض أفكارهم التي لا يجرؤون على الصدع بها، وحين يتمّ نقاش بعض ما تحويه رواياتهم يصرخون مُدّعين بأن هذا أدب ولون فني يتحدث عن ذاته!! وقد شاهدت لقاءً لأحد أكبر الليبراليّين وهو يصرح بوضوح أنه كان يريد نشر مجموعة أفكار في كتاب فكري، لكنه رغب في أن تنتشر الأفكار بشكل موسّع فحوّله إلى رواية. 7- كثير من الإسلاميّين لم يُعطوا اهتمامًا لا للفكر ولا للفلسفة، في حين اهتم البعض بالرد على بعض الأفكار المعاصرة، في نفس الوقت انفتح كثير من الليبراليّين على الفكر والفلسفة بشكل سلبي وخطير، وكانت النتيجة: إما آراء خارج العصر أو أفكار بعيدة عن الثوابت. 8- لدى بعض الإسلاميّين ممانعة لسماع الآراء الأخرى ومناقشتها، في نفس الوقت أَزْعَجَنا بعض الليبراليّين بأهمية حريّة التعبير، وهم أول من يحاربها!! 9- بعض أنصار التيارين ينتظر ممن هو في تياره أن يصرخ أكثر لكي يشعر بنشوة الانتصار. 10- بعضهم يرفع صوته مناديًا بالنهضة، ولا يملك بصمة واضحة في مجتمعه، والحق يُقال إن كثيرًا من المشاريع النهضويّة التي قامت في بلادنا هي بفضل الله ثم بالدعم الحكومي وبإتقان وتفاني شخصيّات وطنيّة نهضويّة تعمل وتجتهد دون أن تهتم بالسمعة والشهرة. 11- لو تأمّلنا في النتاج الفكري النهضوي السعودي - خصوصًا في مجال التأليف - فلن نجد إلاّ شيئا نادرًا و مخجلاً. همسة: - إن معظم الملاحظات التي ذكرتها كانت واضحة لدى كثير من المتابعين للشأن الفكري المحلي، والحقيقة أنها ساهمت بشكل واضح وكبير في عدم إنتاج أفكار وإنجاز مشاريع نهضويّة، وتسبّبت في عدم تكوين البيئة المناسبة لكثير من العقول المفكرة المبدعة. - إن نقاط الاتفاق بين كثير منّا أكثر من نقاط الاختلاف، فلنعزّزْ اتفاقنا ولنتلطفْ في نقاشاتنا، وليكنِ اختلافنا راقيًا وحضاريًّا. - هنالك عشرات البلدان يتعايش فيها أناس من أعراق وأديان مختلفة، فهل سيأتي اليوم الذي يصبح التعايش سمة لنا؟ فاصلة: إن النهضة تُبنى بالتفكير والتخطيط وليس بالصراخ و العراك!!