تابع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو لقاءاته السياسية والمناطقية في اليوم الثاني لزيارته لبنان، وفيما سمع من رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن لبنان «سيشارك في أي مؤتمر دولي للسلام الشامل والعادل يرتكز على مؤتمر مدريد والضمانات المعطاة وعلى المبادرة العربية للسلام»، أكد من جهته، أن تركيا «ستبقى ضمن قوات «يونيفيل» في الجنوب ما دام لبنان يرى حاجة الى ذلك». وأفاد البيان الصادر عن المكتب الاعلامي للقصر الجمهوري، بأن سليمان جدد «تأكيد مطالب لبنان المعروفة حيال المساعي الهادفة إلى إطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط، وهي استكمال تنفيذ القرار 1701 والقرار 425 الذي ينص على الانسحاب من الأراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة بلا قيد أو شرط وإيجاد حل لمسألة اللاجئين الفلسطينيين من طريق إعطائهم حقوقهم وفي طليعتها حق العودة. وشكر لتركيا مساعداتها للبنان ووقوفها إلى جانبه، مشيراً إلى أن التوجه إلى تعزيز هذه العلاقات سينطلق بعد تأليف الحكومة الجديدة، ومنوهاً بالوحدة التركية العاملة ضمن القوات الدولية». ولفت أوغلو بحسب البيان الى ان زيارته لبنان «تصب أولاً في تعزيز العلاقات الثنائية الجيدة، وثانياً في إطار الاتصالات التي تجريها تركيا للتعجيل في إطلاق مسيرة السلام في المنطقة من جهة وإعادة استئناف المفاوضات السورية-الإسرائيلية برعاية تركية من جهة ثانية». والتقى أوغلو رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة في السراي الكبيرة وجرى عرض للعلاقات الثنائية والأوضاع العامة في المنطقة . وعقد المسؤول التركي محادثات موسعة وثنائية مع نظيره اللبناني فوزي صلوخ اعقبها مؤتمر صحافي مشترك، أكد خلاله أوغلو الاتفاق على «ضرورة تطوير نطاق العلاقات الثنائية بدءاً من مواصلة الزيارات الرسمية الرفيعة... وعلى صعيد الامن والدفاع، ستستمر تركيا بمساهمتها في قوات «يونيفيل» وهذه المساهمة هي مهمة بالنسبة الينا لأن الاستقرار في لبنان من وجهة نظرنا هو كالاستقرار في تركيا، والاستقرار في لبنان هو ركيزة اساسية لاستقرار المنطقة، لذلك سنستمر في تطوير علاقاتنا في المسائل الامنية والعلاقات الثنائية والمساهمة في قوات يونيفيل». ولفت الى انه تقرر «توسيع نطاق عملنا على صعيد التكامل الاقتصادي، واتفقنا على انجاز الصيغة النهائية لاتفاق التبادل الاقتصادي الحر لأن على رغم عدم وجود حدود مشتركة بين تركيا ولبنان، فإننا نعتبر انه بلد جار، وعلى كل جارين ان يتشاركا كل شيء على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. وبعد حرب تموز والعدوان الاسرائيلي قررنا انه يجب ان يكون بين بلدينا تعاون اكبر وأعددنا سلة مساعدات بقيمة 50 مليون دولار تقريباً لبناء المدارس والمراكز الصحية. وحتى الآن انجزنا 37 مدرسة قدمناها الى وزارة التربية، اضافة الى 15 مدرسة اخرى انجزت سابقاً ولا تزال خمس مدارس قيد الانشاء». وأعرب عن اعتقاده بأن العلاقات التركية - اللبنانية «ستكون اكثر من علاقات عادية، ستكون ممتازة، ولن تقتصر فقط على العلاقات الثنائية بل المساهمة ايضا في القضايا الاقليمية، فالاستقرار في المنطقة لا يتحقق من دون الاستقرار في لبنان، وأنا سعيد جداً بعد اللقاءات التي اجريتها لرؤية الارادة السياسية القوية لدى كل القيادات اللبنانية من اجل تشكيل حكومة جديدة وتقوية الديموقراطية. ان لبنان بلد ديموقراطي بامتياز، وظهرت هذه الديموقراطية في الانتخابات النيابية، وانا واثق ان هذا النضج الديموقراطي سيظهر في عملية تأليف الحكومة الجديدة ايضا». واشار اوغلو الى انه «تشارك والوزير صلوخ في وجهات النظر بأنه يجب ان يكون هناك سلام شامل وعادل وطويل الأمد في منطقتنا التي لا نريدها ان تكون منطقة توتر واشتباكات، بل نريد منطقة شرق اوسطية قائمة على حوار سياسي وأمن مشترك واستقلال اقتصادي وثقافات متنوعة. هذه هي تقاليدنا التاريخية واذا عملنا معاً يمكننا التوصل الى اعادة احياء هذه التقاليد، لجعل منطقتنا منطقة سلام واستقرار وازدهار، من هنا، فإن مبادرة السلام العربية تؤمن اطار عمل جيداً، ونتوقع من كل الاطراف المعنية وخصوصاً اسرائيل، احترام القوانين الدولية وقرارات مجلس الامن والقرار 1701 بكامل بنوده والبدء باعتماد مقاربة جديدة على كل مسارات السلام في الشرق الاوسط من المسار الفلسطيني - الاسرائيلي، الى السوري - الاسرائيلي واللبناني - الاسرائيلي لكي نتوصل الى سلام شامل في المنطقة. وتوافقنا على ضرورة مواصلة العمل سوياً في هذا الاتجاه لجعل منطقتنا منطقة سلام». وعما اذا كان لبنان جاهزاً للبدء بمفاوضات مع اسرائيل، اعتبر ان «الامر يعود للسلطات اللبنانية وعلينا احترام التطبيق الكامل للقرار 1701 وحل المسائل الاخرى». زيارة صيدا وزار اوغلو مدينة صيدا يرافقه الرئيس السنيورة ووزيرا المال محمد شطح والدولة خالد قباني وسفير تركيا سردار كيليج والوفد التركي المرافق، وأدوا صلاة الجمعة في جامع بهاء الدين الحريري وانتقلوا الى موقع مشروع إنشاء المستشفى التركي (مركز متخصص بالحروق) والمقدم هبة من الشعب والحكومة التركيين، واطلعوا من مدير المشروع على المراحل التي اجتازها العمل فيه. وأكد اوغلو في تصريح انه «جزء من برنامج الدعم التركي للبنان. وسنتابع ترجمة العلاقات وتثميرها وتطويرها معاً في العديد من المجالات التي تعبر فيها تركيا دائماً عن دعمها للبنان ونهوضه وازدهاره واستقراره». وأولمت وزيرة التربية والتعليم العالي بهية الحريري على شرف الضيف التركي، وعلى هامش الغداء قدم أوغلو الى الوزيرة الحريري نسخة من كتاب من تأليفه بعنوان «العالم الاسلامي في مهب التحولات الحضارية». وزار اوغلو القوة التركية المشاركة في قوات «يونيفيل». بلدة عكارية تتكلم التركية وكان أوغلو جال في عكار اول من امس، ومحطته الاولى كانت في بلدة الكواشرة التي يتحدث قسم كبير من ابنائها من التركمان اللغة التركية، وأقيم للوزير اوغلو والوفد المرافق استقبال شعبي كبير امام المدرسة التركية في البلدة حيث نحرت الخراف ورفع المواطنون الاعلام اللبنانية والتركية وزغردت النسوة مرحبة بالضيف الذي عانق مستقبليه ملقياً التحية بالعربية «السلام عليكم». وأقيم في باحة المدرسة احتفال خاطب خلاله اوغلو الاهالي قائلاً: «عندما تكونون بأمان وسعادة نحن نشعر بالارتياح، اذا لم يكن عندكم ماء، يكون الماء في الاناضول حرام، اذا لم يكن عندكم مدارس، يعني انه ليس في الاناضول مدارس. ان الهبات التي تتحدثون عنها ليست هدايا، انها واجب نقدمه لكم، وهذا الدين سددناه متأخرين ومن الآن فصاعداً لن نتأخر». واعتبر أن «العلاقات التركية - اللبنانية بأفضل حال من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، ونقول لكل الاخوة في لبنان وفلسطين والعراق، ان عذابهم يشكل ازعاجاً لنا ومصاعبهم مصاعبنا، ونحن وقفنا مع غزة، وأنقل اليكم سلاماً من رئيس الجمهورية عبدالله غل ومن رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان ومن الشعب التركي». ووعد «بأن كل شخصية تركية تزور لبنان ستزور المنطقة، وان السفير التركي دائماً الى جانب ابنائها». وانتقل الى بلدة البيرة لتدشين «مركز البيرة الصحي اللبناني - التركي» الذي انشأته الدولة التركية. وعلت على الطرق اللافتات المرحبة باللغتين العربية والتركية، وتقدم موكب اوغلو الخيالة وفرق الزفة ورفع الاطفال أعلاماً تركية ولبنانية، وعلت هتافات الترحيب. ونحرت الخراف. وقال اوغلو للأهالي: «هذه الضيعة ضيعتنا، ولبنان وطننا، فرحكم فرحنا وامانكم وسلامكم من اماننا وسلامنا، عندما تكونون بسعادة وامان، نكون في الاناضول كذلك، أي مشكلة عندكم هي مشكلتنا، نشاطركم الموقف في لبنان والعراق وغزة. قدرنا مشترك، وتركيا ستكون دائما الى جانبكم». ولبّى اوغلو دعوة «جمعية الصداقة اللبنانية - التركية» الى حفل عشاء تكريمي اقامته على شرفه في طرابلس، في حضور شخصيات سياسية وعسكرية، بعدما زار التكية المولوية في المدينة التي تتولى الحكومة التركية اعادة تأهليها، واطلع على سير الاعمال فيها، وشارك في مهرجان «فرقة قونيا للدراويش التركية» ضمن فعاليات مهرجانات طرابلس السياحية.