بررت وزارة الصحة السعودية وفاة ثاني حالة مصابة بأنفلونزا الخنازير، بأن «حدوث الوفاة في ظل تزايد انتشار الفيروس يعد أمراً متوقعاً أسوة بالأوضاع في باقي دول العالم». هذا التبرير الغريب لم يكن افضل حالاً من تعامل الوزارة اعلامياً مع نبأ وفاة المواطن السعودي الأسبوع الماضي. التعامل الاعلامي المرتبك مع تزايد عدد المصابين بالفيروس في المملكة الى نحو ثلاثمئة، جعلها عرضة للنقد من كتاب وصحافيين، آخرهم الكاتب في جريدة «الوطن» قينان الغامدي، الذي حمل على الوزارة في مقال بعنوان «الإدارة أزمة الصحة الكبرى». واعتبر الغامدي ان مطالبة الوزارة بزيادة مخصصاتها المالية لن تفيد من دون تطوير الادارة، وقال: «إن المشكلة أو الأزمة الأضخم والأعمق والأخطر لدى وزارة الصحة، وقطاعات أخرى في الحكومة، هي أزمة «إدارية» بالدرجة الأولى وحتى العاشرة، ثم أزمة مالية بعد ذلك. ففتشوا عن الإدارة وكفاءاتها قبل السؤال عن المال ومصادره. وزارة الصحة – حتى الآن – كما يظهر، مترهلة متضخمة متخلفة إدارياً الى درجة أنها أصبحت أعظم مصنع ينتج العوائق التي تعترض تطوير الصحة في المملكة، في القطاعين الحكومي والأهلي». نتفق مع قينان في ان وزارة الصحة تعاني ازمة ادارية ، وهي في هذا الجانب لا تختلف عن بقية الادارات الحكومية، لكن وزارة الصحة تعاني بالفعل نقصاً في الاعتمادات المالية، ومقارنة كلفة السرير في مستشفياتها بنظيره في المستشفيات التابعة لبعض القطاعات الحكومية تكشف هذه الحقيقة، فضلاً عن ان عدد الأسرة في كل مستشفياتها لا يزيد على 50 الف سرير، في بلد تعداد سكانه 21 مليون نسمة. بعيداً عن النقص في الموارد المالية والبشرية، وتواضع الامكانات الادارية والتشغيلية، وتعثر مشروع التأمين على المواطنين، وخصخصة قطاع الصحة، فإن مشكلة وزارة الصحة السعودية، وبقية وزارات الخدمات، هي الولع بالاعلام، وتحويل الأعمال الروتينية الصغيرة الى انجازات ضخمة. ومعروف ان التعامل المفرط مع الاعلام سلاح ذو حدين، ففي الأوضاع العادية يستطيع الوزير ان يكسب الجولة، ويبدو امام صانع القرار والناس ناجحاً وصاحب «انجازات»، لكن عدوى الاعلام تتحول الى فيروس قاتل عند الأزمات، وهو ما حدث لوزارة الصحة التي استمرأت الدعاية، واشغلت الصحف بنشاطاتها الروتينية، فانقلب السحر على الساحر، ودفعت ثمن اساليب الدعاية وهي تواجه انفلونزا الخنازير. فهل تتعظ وتكف مستقبلاً عن الدعاية وتعمل بصمت؟ نرجو ذلك.