يحمل جدار في شارع جانبي مظلم في يانغون، صورة لجهاز تلفزيون بجناحين. ويقول أونغ (33 سنة) وهو يشير بفخر الى الصورة التي تتكرر في مناطق متفرقة في العاصمة التجارية لميانمار: «كانت هذه الصورة الأولى بالنسبة إلي... حرية الإعلام قضية مهمة عندي». وينتمي أونغ (الذي طلب عدم نشر اسمه كاملاً) إلى جيل جديد من فناني الشوارع ظهر مع موجة الإصلاحات التي أجرتها سلطات ميانمار في الآونة الأخيرة. عاشت ميانمار عقوداً في ظل نظام ديكتاتوري انتشرت خلاله عيون المخبرين العسكريين في كل مكان، وكانت الكتابة على الجدران تنطوي على مجازفة كبرى، لكن هذا الوضع بدأ يتغير حين تولت حكومة شبه مدنية الحكم في آذار (مارس) 2011، فأُفرج عن معارضين سياسيين، وسُوّيت أوضاع النقابات العمالية، كما تحسنت العلاقات مع الغرب، بل إن مخبري الحكومة اختفوا تقريباً. واكتسب فنانو الشوارع جرأة دفعتهم إلى نقد الحياة في يانغون، من التقنين في الكهرباء حتى غسل الأموال. ويقول أونغ، وهو رسام ومصمم غرافيك، إن عدد فناني الشوارع تضاعف خلال العام المنصرم إلى نحو 50 فناناً يستلهمون أفكارهم من أغاني الهيب هوب والبانك، أو من رسامين بريطانيين مثل بانكسي، ويلتقي بعضهم بعضاً عبر «فايسبوك» أو بعد حلول الظلام في الشوارع، وهم يحملون علب الطلاء في أيديهم. وشاع في يانغون رسم يصور مقبساً كهربائياً يتدلى منه سلك، ويصاحبه شعار «أضيئوا المدينة»، لا سيما في أيار (مايو) حين أدى الغضب من نقص الكهرباء المزمن إلى احتجاجات في أنحاء البلاد. ويقول توتوينتي (27 سنة)، وهو الاسم المستعار لعضو في جماعة «فن الشوارع في يانغون»: «لم نفعل هذا نيابة عن الناس بل لأننا تأثرنا جميعاً بانقطاع الكهرباء». وغالبية الكتابات على جدران شوارع يانغون بالإنكليزية، تتنوع بين الاستهجان الحاد، على طريقة «اللعنة على الوشاة»، وأدب الحديث، مثل «سيدي الرئيس العزيز»، التي كتبت على واجهة أحد المحلات لمناشدته توفير مزيد من الكهرباء. وألغت الحكومة معظم الرقابة على وسائل الإعلام، لكن القوانين المقيدة ما زالت قائمة، بما في ذلك تلك التي استخدمت لسجن نشطاء بارزين بعد احتجاجات داعية إلى الديموقراطية قادها رهبان بوذيون في 2007. ويقول أونغ إنه حتى الآن لم يسجن أي من فناني الشوارع، ولو احتجز البعض لفترات قصيرة وأُفرج عنهم بعد تحذيرهم. وخاض رسّامو الشوارع حرباً على رئيس بلدية لا يتمتع بشعبية، هو البريغادير جنرال أونغ ثين لين، الذي فاز بمقعد في البرلمان عن حزب اتحاد التضامن والتنمية في انتخابات مزورة عام 2010. وكنوع من الاحتجاج يرسم الفنانون على جدار مقره الرسمي، باستمرار، على رغم أن الرسوم تُطمس في اليوم التالي. ومع أن شخصاً آخر حلّ محل اونغ ثين لين في منصب رئيس البلدية، فإن حرب الرسم على جدار المقر ما زالت دائرة. وليس كل سطح مجالاً للرسم، فهناك ميثاق غير مكتوب يُلزم الرسامين الابتعاد عن المدارس والمستشفيات وأماكن العبادة.