تندفع سيارة اجرة تقل جرحى بأقصى سرعة في شوارع حلب، عابرة بين مبان اخترقتها القذائف وكوم الحطام، فيما تدوي طلقات مدفعية. ذلك المشهد بات يتكرر يومياً في حياة سكان ثاني المدن السورية. هذه المدينة الواقعة على مسافة 355 كلم شمال دمشق، والتي كانت الأكثر ازدهاراً في سورية بفضل إنتاجها الصناعي، باتت اليوم تشهد إطلاق نار كثيفاً من الجيش النظامي والمقاتلين المعارضين على السواء، وهي تشهد منذ شهر معارك ضارية بين الطرفين من اجل السيطرة عليها. ووصف نظام بشار الأسد المعركة الجارية في المدينة الاستراتيجية، من حيث تراثها وموقعها القريب من الحدود التركية، بأنها «أم المعارك» في الصراع الجاري منذ 17 شهراً. وقال الناشط في حلب ابو هشام، متحدثاً ل «فرانس برس» عبر سكايب: «الوضع مؤلم في المدينة، إنهم لا يدمرون مدينتنا فحسب، بل ذكرياتنا ايضاً». وتابع: «كل عائلة تقريباً بات لديها قتيل او جريح»، مضيفاً: «عائلتي بكاملها نزحت» من المدينة. واضطر اكثر من مئتي ألف من سكان حلب، من أصل العدد الإجمالي للسكان المقدّر ب2.5 مليون نسمة، الى الفرار من منازلهم منذ الايام الاولى من المعارك التي اندلعت في 20 تموز (يوليو). وشاهد صحافيو «فرانس برس» في جميع انحاء حلب، التي صُنِّف حيها التاريخي على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، أكواماً من النفايات يرتفع منها دخان اسود. وبات الموت يحصد الضحايا يومياً في حلب، وقد قتل اول من امس ما لا يقل عن عشرة مدنيين بينهم طفلان وثلاث نساء، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وفي حيّي صاخور والشعار، أقام الجيش السوري الحر، المؤلف من فارين من القوات النظامية ومدنيين حملوا السلاح، مراكز قيادية. وتعبر شوارع الحيين كل يوم سيارات اجرة مسرعة تنقل جرحى، فيما يطلق المقاتلون النار محاولين إسقاط مروحيات تقصف مواقعهم. وقال ابو هشام: «لا ندري كم من الوقت ستستمر المعركة». واضاف: «لديهم طائرات، والثوار يدمرون دبابات الجيش. هذا امر مبرر، غير ان الدبابات ليست ملكاً لبشار، بل هي ملك للشعب». وأكد مصدر في اجهزة الأمن السورية ل «فرانس برس»، أن الجيش والمقاتلين المعارضين يستقدمون «تعزيزات» الى حلب، متوقعاً ان «تستمر الحرب لوقت طويل».