قال ناشطون وشهود إن معارك جديدة نشبت أمس في القلب التاريخي لمدينة حلب بين قوات الجيش وقوات المعارضة، مشيرين إلى استخدام المدفعية وطائرات هليكوبتر حربية في القتال. ويتخوف السكان خصوصاً على المدينة القديمة في حلب وقاطنيها، إذ تضم حارات أثرية وأزقة ضيقة جداً تشمل أسواقاً مسقوفة وخانات، وهى منطقة بالإضافة إلى أهميتها التاريخية تتميز بكثافة سكانية كبيرة، ما يجعل اقتحامها قبل قصفها أمراً صعباً. ويحذر ناشطون من «مأساة إنسانية» في حال قصفها بالمدفعية أو من الجو. يأتي ذلك فيما استمرت الاشتباكات في مناطق أخرى من سورية، بينها دمشق وريفها بخاصة حى المعضمية، وحمص وحماة ودرعا. وقال وزير الداخلية السوري محمد الشعار إن القوات السورية ستقوم باقتلاع كل أشكال الإرهاب، مجدداً دعوته لحاملي السلاح في البلاد إلى «العودة إلى رشدهم». وعن المعارك في حلب، قال ناشطون وشهود إن طائرات هليكوبتر حربية فتحت النار على المدينة أمس، كما دوت المدفعية في مختلف الأحياء في الوقت الذي استمرت فيه المعارك بين القوات الحكومية ومقاتلي المعارضة للسيطرة على ثاني أكبر المدن السورية. وتحدث نشطاء المعارضة عن وقوع اشتباكات في عدد من المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة فيما يمكن أن يكون إيذاناً ببدء ملاحقة حاسمة في معركة السيطرة على حلب المركز التجاري لسورية. وقال ناشط في المعارضة إنه رأى دبابات وحاملات جند مدرعة تابعة للجيش تتجه إلى صلاح الدين امس. كما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن قتالاً بدأ صباح امس في الأحياء الواقعة وسط المدينة وفي حي على المشارف الغربية. وبدت المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة مهجورة من السكان. ويستخدم المقاتلون المنازل التي سارع أهلها بتركها حتى انهم تركوا الطعام كما هو بالبرادات قواعد لهم. وعند مداخل حلب من الشمال كان العديد من سكان القرى يتسوقون أو يعملون في حقولهم. لكن أمكن أيضاً مشاهدة مقاتلين من الجيش السوري الحر في حين كانت طائرات هليكوبتر عسكرية تحلق فوق المنطقة. وأفاد رجل في الأربعينات من العمر كان ينقل أسرته على دراجة نارية بأنه هارب من القتال في حلب. وقال لرويترز «إننا نعيش في منطقة حرب. أنا وأقاربي نتحرك هنا وهناك في محاولة للبقاء بعيداً عن القتال. غادرنا حلب عندما شاهدنا الدخان وطائرات الهليكوبتر تطلق النار». وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن إن «محاولات الجيش النظامي للسيطرة على مدينة حلب مستمرة»، مشيراً إلى أن «المعارك تتركز في حيي صلاح الدين وسيف الدولة ومدخل مخيم الحندرات للاجئين الفلسطينيين الذي تقع بالقرب منه قاعدة للدفاع الجوي». ولفت إلى وصول المعارك إلى وسط مدينة حلب وتحديداً حلب القديمة حيث «يحاول الجيش النظامي استرجاع حي باب الحديد» الذي يسيطر عليه المقاتلون المعارضون. وأفاد عبد الرحمن بأن «الهجوم الشامل على مدينة حلب يتواصل»، لافتاً إلى أن الاشتباكات تأخذ طابع «حرب شوارع شاملة». وأوضح أن «ليس كل التعزيزات العسكرية التي استقدمها النظام إلى حلب تشارك في المعركة»، مشيراً إلى أن «جزءاً كبيراً مهمته فرض حصار على المدينة بهدف عزل الأحياء التي يسيطر عليها الثوار عن مناطق ريف حلب» حيث معاقل المقاتلين المتمردين. وأفاد الناشط الميداني أبو علاء الحلبي لفرانس برس بأن الاشتباكات بين الجيش النظامي والمقاتلين المعارضين «وصلت إلى أحياء باب النصر وباب الحديد والمدينة القديمة». وأوضح أن هذه الأحياء هي عبارة عن حارات أثرية وأزقة ضيقة جداً تتميز بكثافة سكانية كبيرة وبالتالي يستحيل اقتحامها قبل قصفها من بعيد، مشيراً إلى أنها تشكل أيضاً «قلب مدينة حلب التاريخي». وقال الناشط الإعلامي أبو هشام الحلبي لفرانس برس انه «نحو الرابعة فجراً حاول رتل من دبابات الجيش النظامي بالقرب من ملعب الحمدانية اقتحام حي صلاح الدين لكن الجيش السوري الحر فاجأهم وهاجمهم على الأتوستراد الفاصل بين الحمدانية وصلاح الدين ودمر دبابة واستطاع إيقاف الهجوم». ولفت إلى أن «حي هنانو يشهد حالات نزوح كثيفة خصوصاً بعد الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام عن حشودات نظامية لاقتحام الأحياء وارتكاب مجازر في حلب». وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن «قواتنا الباسلة تكبد المجموعات الإرهابية المسلحة في حي صلاح الدين بحلب خسائر فادحة»، بحسب ما نقلت عن مصدر رسمي في المحافظة. ولفت المصدر إلى أن «حريقاً نشب في احد أقبية الأبنية السكنية نجم عنه انفجار مصنع للعبوات الناسفة في الحي كانت تستخدمه المجموعات الإرهابية ما أدى إلى مقتل الإرهابيين الذين كانوا في المبنى». وألقت الجهات المختصة في حي الإذاعة، بحسب سانا، القبض على مجموعة إرهابية مسلحة مؤلفة من أربعة أشخاص. وفي ريف دمشق، تنفذ القوات النظامية حملة مداهمات في منطقة الشيفونية بمحيط مدينة دوما ومعضمية الشام والسبينة، بحسب المرصد الذي أشار إلى سقوط مقاتل معارض في الهامة ومدني في عربين. وفي مدينة حمص وسط البلاد، يتعرض حي الخالدية لقصف عنيف من قبل القوات النظامية السورية، في حين اقتحم مقاتلون معارضون «مبنى نقابة المهندسين في حي باب هود وسط مدينة حمص بعد اشتباكات مع القوات النظامية أدت إلى مقتل اثنين من المقاتلين المعارضين الذين حطموا مجسماً للرئيس السابق حافظ الأسد وصورة للرئيس الحالي بشار الأسد. ولفت المرصد إلى أن اشتباكات تدور بالقرب من قيادة الشرطة بين القوات النظامية ومقاتلين معارضين، أسفرت عن سقوط مقاتل معارض. وجنوباً، تدور اشتباكات عنيفة في بلدة الشيخ مسكين في درعا، بينما اشتبك مقاتلون معارضون مع دورية أمنية في قرية السيد حمود في الحسكة ما اسفر عن مقتل وجرح عناصر الدورية. وقال المرصد إن «اشتباكات عنيفة تدور قرب مقر الجيش الشعبي في مدينة إدلب (شمال غرب)، بينما قتل مدنيان بعد منتصف ليل السبت الأحد اثر القصف الذي تعرضت له بلدة حيش في ريف إدلب. وذكرت الهيئة العامة للثورة السورية أن القوات النظامية في حماه (وسط)، اقتحمت العوينة وحيالين والشيخ حديد وبريديج في سهل الغاب «وسط إطلاق نار كثيف ومحاصرة كفرنبودة من كل المداخل وقصفها بالرشاشات الثقيلة واقتحام قرية المغير وهدم العديد من المنازل». وحصدت أعمال العنف أول من امس 168 قتيلاً هم 94 مدنياً و33 من المقاتلين المعارضين بالإضافة إلى ما لا يقل عن 41 من القوات النظامية. وكان وزير الداخلية السوري محمد الشعار قال إن القوات السورية ستقوم باقتلاع كل أشكال الإرهاب، مجدداً دعوته لحاملي السلاح في البلاد إلى «العودة إلى رشدهم». وذكر الشعار في أول ظهور له على التلفزيون السوري ليلة أول من امس بعد إصابته في الانفجار الذي استهدف مقر مكتب الأمن القومي في دمشق التابع لحزب البعث «أن جيشنا الباسل وأمننا الساهر سيقتلعان الإرهاب بكل أشكاله وسيعيدان الأمن والاستقرار إلى ربوع سورية». وأفادت وكالة الأنباء الرسمية امس بأن الشعار «ترأس أمس (السبت) اجتماعاً في مقر وزارة الداخلية لمديري إدارات الوزارة. ووجه الشعار رسالة إلى كل من يحمل السلاح «بالعودة إلى رشدهم» داعياً إياهم إلى «إدراك أنهم ليسوا إلا وقوداً يستثمرهم الآخرون في مخططهم لضرب استقرار بلدهم». وأضاف «إن وجود بعض الثغرات يجب ألا تكون مبرراً لأي أحد كي يبيع نفسه إلى خارج الحدود ونحن جاهزون لمساعدة هؤلاء والعودة بهم إلى جادة الصواب وحضن الوطن ليكونوا بنائين فيه بدلاً من أن يكونوا مخربين له». وأكد الشعار الذي أصيب في انفجار مبنى الأمن القومي انه عاد إلى عمله «بهمة أعلى وجهد أكبر وإصرار أمضى على خدمة الوطن». وأضاف «إننا قبل عملية التفجير الجبانة كنا نعمل بكامل طاقاتنا ولكننا الآن سنستنفر ما هو احتياطي في طاقاتنا وسنبذل عشرة أضعاف ما كنا نبذله سابقاً لمتابعة فلول هؤلاء الإرهابيين الذين يعبثون بأمن بلدنا».