تصوت هيئة الأسواق المالية الأميركية الأربعاء المقبل، على أحكام مقترحة مثيرة للجدل تفرض على الشركات الأميركية والأجنبية العاملة في مجالات استخراج النفط والغاز والمعادن المدرجة في بورصات نيويورك، الإفصاح دورياً وفي شكل تفصيلي عن أشكال مدفوعاتها المالية للحكومة الفيديرالية في واشنطن أو حكومات البلدان حيث تمارس نشاطها. واستجابت الأحكام المقترحة، التي صاغتها الهيئة بموجب مادة أساسية في «قانون إصلاح وول ستريت» لعام 2010، لمطالب المؤسسات الاستثمارية ومنظمات مكافحة الفساد وتمويل الحروب في الدول النامية التي ترى أن تطبيق مزيد من الشفافية يخدم استثماراتها وأغراضها. في المقابل أبدت الشركات المعنية مباشرة معارضة شديدة، لأن أحكام الشفافية الجديدة سترتب عليها نفقات إضافية باهظة، وتنال من قدرتها على منافسة شركات عالمية غير مدرجة وبالتالي غير ملزمة. لكن الهيئة، في محاولة للتقليل من مخاوف الشركات وتأكيداً على نيتها إصدار ما وصفته رئيستها ماري شابيرو ب»الأحكام القوية»، شددت على أن مادة الشفافية في قانون الإصلاح المالي تغطي 90 في المئة من شركات النفط الأميركية والأجنبية الناشطة عالمياً المدرجة في بورصات نيويورك، إضافة إلى 8 من شركات التعدين العالمية العشر الكبرى من بينهما اثنتان أميركيتان فقط. وأوضحت أن من بين شركات النفط والغاز الخمسين الكبرى، المقومة بحجم الاحتياط، هناك 20 شركة وطنية غير مدرجة وغير ملزمة، لكنها لا تنشط في العادة ولا تنافس عالمياً، لافتة إلى أن 27 شركة من أصل 30 عالمية باقية ستكون ملزمة بمقتضيات مادة الشفافية وأحكامها التنفيذية، وتضم شركات كندية وأوروبية وبرازيلية وروسية وصينية وغيرها. واستناداً إلى قاعدة بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، تبلغ حصة الشركات الوطنية المئة الكبرى 85 في المئة من الاحتياط العالمي، و55 في المئة من الإنتاج، وتقودها «أرامكو السعودية» ب 12 في المئة من الإنتاج العالمي عام 2010 والإيرانية 5 في المئة والفنزويلية 4 في المئة. أما الشركات العالمية الثلاث الكبرى المدرجة في بورصات نيويورك، فتبلغ حصتها من الإنتاج العالمي 8 في المئة، موزعة على «إكسون موبيل» (3 في المئة) و»بي بي» (3 في المئة) و»رويال داتش – شل» (2 في المئة). وتطالب الأحكام التنفيذية المقترحة الشركات المدرجة، بأن تضمّن تقاريرها السنوية المرفوعة إلى الهيئة كل أشكال مدفوعاتها للحكومة الفيديرالية أو حكومات البلدان المضيفة المترتبة على الاستغلال التجاري لمشاريع النفط والغاز والمعادن، ولكل مشروع على حدة. وتشمل المدفوعات الضرائب والريع والرسوم، متضمنة رسوم التراخيص، إضافة إلى حصص الإنتاج والعلاوات والمنافع الأخرى. بينما يغطي الاستغلال التجاري عمليات التنقيب والاستخراج (الإنتاج) والمعالجة والتصدير ونشاطات أخرى. لكن الشركات الملزمة اعترضت على الأحكام المقترحة في اتصالات وكتب محمومة مباشرة وعبر ممثليها، مثل معهد البترول الأميركي، مطالبة بمنحها أشكالاً من الاستثناءات. وبرز الإفصاح عن المدفوعات كواحد من أهم المطالب، إذ شدد معظم الشركات المعنية على أن الحفاظ على مصالحها وتنافسيتها، لا يقتضي ربط مسألة الإفصاح بالقوانين السارية في البلدان المضيفة فحسب، بل بأن ينحصر في المدفوعات الإجمالية، أقله من وجهة نظره، بسبب عبء الكلفة الإضافية لرصد المدفوعات التفصيلية وتسجيلها. وسجلت «إكسون موبيل» اعتراضاتها في لقاءات وكتب كثيرة مع مسؤولي الهيئة، واعتبرت أن من شأن الإفصاح التفصيلي أن يضيف 50 مليون دولار إلى نفقاتها الإدارية ويثقل كاهل صناعة النفط بمئات ملايين الدولارات. لكن قدمت أيضاً وثائق اعتبرتها براهين على مخالفة مقتضيات أحكام الإفصاح المقترحة للقوانين السارية في قطر وأنغولا والكاميرون والصين. وأشارت عبر مستشارها القانوني ومن واقع تجربتها، إلى أن قطر على سبيل المثال، تحظر الإفصاح عن المعلومات ذات الطابع التجاري الحساس، منها المعلومات المتعلقة بكلفة الإنتاج الفعلي والمتوقع والإيرادات والاحتياط. وبالمثل، وفق المستشار، تحظر أنغولا الإفصاح عن أي معلومات تتعلق بقطاع النفط إلا بأذن خاص من وزارة النفط. بينما تعتبر الصين المعلومات التجارية الحساسة عن قطاعها النفطي مثابة «أسرار دولة». لكن التصويت على الأحكام التنفيذية التي اقترحتها هيئة أسواق المال الأميركية بهدف إلزام شركات النفط بالإفصاح التفصيلي عن مدفوعاتها لحكومات البلدان المضيفة، لن يتبعه مبادرة مماثلة يطلقها برلمان الاتحاد الأوروبي الشهر المقبل فحسب، بل يأتي في إطار البحث الجاري على مستوى مجموعة العشرين، لمنح مسألة الشفافية في قطاعات النفط والغاز والمعادن، تحديداً المعادن المستخرجة في البلدان المأزومة، طابعاً عالمياً.