أنا إنسان مالي حيوان... صرخة يطلقها من يعاني ظلماً وقهراً... صرخة يطلقها كل إنسان يشعر بعدم الطمأنينة والأمان. صرخة يطلقها من يريد حقاً وعدلاً في الحياة. وهذا حق للإنسان ولكل كائن حي في الحياة، لقد أمر الله عباده بالرأفة والرحمة والعدل، خصوصاً الإنسان تجاه أخيه الإنسان. فكل منا هو حلقة والحلقة متصلة بأخرى في سلسلة واحدة، ولكل حلقة أثرها على الأخرى بطريقة وشكل ما!... إنها حكمة الحياة، ومن يدرس الجسم البشري يزداد إدراكاً أن الإنسان هو رائعة الخلق كله، وليس في الكون المنظور خليقة أحب إلى الله سبحانه وتعالى (ونفخنا فيه من روحنا)، فالإنسان أسمى مرتبة وأكثر ذكاءً من أي كائن حي، فلقد ميزه الله سبحانه بالعقل الذي يمنحه سلطة على نفسه وعلى العالم أجمع، وهذه السلطة هي هبة من الله له أمر استخدام هذه الهبة وله الخيار «خيراً أم شراً» وسيحاسب على خياره عاجلاً أم آجلاً، قال تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره). قبل فترة ليست بالطويلة كنت في جلسة عائلية أراجع صوراً لأبنائي وهم في سن الطفولة، وأبديت ندماً على أمور أغفلتها، وأسفاً على شدة مارستها في تربيتهم، فقال لي والدي، رحمه الله، كي لا يعاودك الندم في المستقبل عيشي حاضرك بحق واستغلي أقصى ما عندك من إمكانات لتفعلي خيراً، فالندم أقصى شعور يعانيه الإنسان صاحب العقل والإيمان، إذ إننا لا نستطيع استرجاع الماضي وهو شعور يفتقره الحيوان بل ويعدمه. فالسؤال الآن هل يعتبر من يمارس الظلم والقهر والتنكيل لأي سبب كان يعتبر إنساناً أم حيواناً؟ الحقيقة الفرق شاسع بين الإنسان والحيوان، بعد بحث طويل، وبحسب رأي باحثين وعلماء و مفكرين، وبعيداً من العواطف والشجون هناك رأي يستحق الاطلاع عليه... يقال إن ما يميز الإنسان عن سائر الحيوان هو مقدرة الإنسان على جمع المعلومات وحفظها ثم نقلها إلى الأجيال اللاحقة، وهذا عمل لا يقدر أي حيوان كان أن يقوم به، لقد أراد سبحانه وتعالى أن يكون العقل البشري مزوداً بقوى عاقلة مثل الذاكرة والتفكير والتمييز، فليس من حيوان يتمتع بموجات دماغية واهتزازات جسدية تمكنه من التفكير المنتظم، ولكن الإنسان ومنذ فجر التاريخ مكنه الخالق بالقوى العقلية ليجمع الأفكار وينظمها ويحفظها لتتلقفها الأجيال المقبلة تعتمد عليها كأساس تستغلها وتضيف إليها. وهنا يأتي السؤال هل من يهدم كمن يبني؟ وهل الإنسان الذي يرتكب بشاعة وظلماً بغير وجه حق مزود بقوى عاقلة وبذاكرة نافذة وتفكير سوي وشعور بالندم والأهم بضمير... ذاك الصوت الخافت الذي يدوي فجأة فيقض المضاجع...؟ وهو شعور خص به الله سبحانه وتعالى الإنسان عن سائر الكائنات الحية. [email protected]