عندما غادرت نسرين أحمد بغداد إلى الولاياتالمتحدة لدراسة الأدب الإنكليزي لم تتوقف عن التفكير لحظة واحدة في الصعوبات التي ستواجهها هناك في التكيف مع مجتمع يختلف كلياً عن مجتمعها والعادات والتقاليد التي تربّت عليها. المشكلة الأولى كانت استكشاف المكان والناس، وهذه الخطوة جعلتها تفكر في الكثير من الأحيان بالعودة إلى بلادها وترك الدراسة في هذا المكان الذي لا تستطيع التأقلم معه بسهولة. تلك الحال تغيرت بعد شهرين فقط من الاختلاط بالشباب الدارسين في صف اللغة الذي درست فيه هناك مع طلاب آخرين وافدين من بلدان مختلفة في آسيا وأفريقيا، الأمر الذي جعلها تشعر بأن الجميع أغراب وتأقلموا مع المكان وليست وحدها من عانت من هذه المرحلة. نسرين التي عادت في العطلة الصيفية لزيارة عائلتها شعرت بأشياء غريبة لم تكن تنتبه لها من قبل. فالمكان الذي ولدت وتربت فيه سنوات طويلة بات اليوم مختلفاً عن ذي قبل، والتأقلم مع ماضيها أصبح يحتاج إلى جهود مماثلة لتلك التي بذلتها في الأسابيع الأولى بعد السفر إلى أميركا. وتقول: «هناك كنت أشعر بأنني طائر حر يمكنني أن أدير شؤوني مثلما أريد من دون الحاجة إلى مساعدة من أحد، لأننا كنا نعيش باستقلالية كبيرة في بيوت الطلاب، أما في بيتنا فما زلنا في حاجة إلى طلب المساعدة من شقيقي أو والدي لتنفيذ أمر ما، وما زلنا في حاجة إلى إذنهما للخروج إلى أي مكان». وتضيف: «هنا، فقدت تماماً الاستقلالية التي كنت أتمتع بها في موطن دراستي حتى أنني بدأت أخشى العودة بعد إكمال دراستي وأفكر بالاستعانة بأصدقائي هناك للبحث عن فرصة عمل بعد الحصول على الماجستير». سجا فتاة أخرى غادرت إلى بريطانيا لإكمال دراستها، وهي لا تنكر أنها واجهت صعوبات كثيرة هناك بعد الوصول كان أولها البحث عن سكن مناسب في أقسام الجامعة. وتقول: «فوجئت بأن السكن مشترك للطلاب والطالبات ولم أعرف ماذا أفعل، لكنني فكرت في إكمال دراستي أولاً وهو ما جعلني أتدبر أمري لاحقاً». وجود بعض الزملاء الذين تعرفهم سجا مسبقاً في الجامعة التي انضمت إليها في بريطانيا سهل الأمر عليها وجعل ظروفها أفضل بكثير من غيرها. وتقول: «أصبح لدي أصدقاء من الطلاب المغتربين وكان بعض صديقاتي وأصدقائي من الصين يطلبون مني أن أدعو لهم كي ينجحوا في الامتحان حينما أكون صائمة». كانت الحياة في جامعة شفيلد مختلفة نوعاً ما عن الحياة في باقي المدن البريطانية، فالمدينة والجامعة تضمان أكبر عدد من الطلاب المغتربين وتقول سجا: «لم نشعر هناك بالاغتراب مثلما كان يشعر به بعض زملائنا في لندن مثلاً لكوننا جميعاً مغتربين». وللعودة إلى المنزل في بغداد طعم مميز عند سجا على رغم بعض التغييرات والمفاجآت. فبعدما عاشت لسنوات في بريطانيا ما عاد بإمكانها الانصياع لبعض الأوامر التقليدية من نوع «لا تتأخري، الوضع الأمني سيئ». وتقول: «عندما غادرت للدراسة كنت أخشى أن أتاخر هناك لأنني كنت متاثرة بالأوضاع السائدة في بلدي ولكن بعد شهور تأقلمت بسهولة مع كل شيء». عطلة سجا تنتهي بعد أيام تغادر بعدها مجدداً إلى بريطانيا لاستئناف دراستها وتقول: «في العام المقبل لن أعود فسأنتظر لإكمال دراستي كلها وأقرر بعد ذلك». الشباب بدوا أكثر غربة مع عائلاتهم من الفتيات بعد عودتهم في الإجازة الصيفية، فبعضهم يعود متمرداً على واقعه ومتذمراً من كل شيء، وبعضهم الآخر يعود أكثر تشدداً في جوانب كثيرة من حياته. والدة أحمد سعيد الذي يستعد للعودة إلى الديار بعد شهور قليلة تقول إن ولدها طلب منها هاتفياً أن تهيئ له عروساً صغيرة في السن ولا تحمل أي مؤهل دراسي لأنه تعب من مشاهداته الفتيات المبالغات في التحرر هناك. وتقول الوالدة: «ولدي لم يكن كذلك، لكنه عاد إلينا في إجازته بعد عامين وقد تغيّر الكثير من طباعه وأصبح يتدخل في أمور لا تعنيه، في حين أن ابن شقيقي تزوج وعاش هناك». عودة الشباب الدارسين في الخارج أثناء إجازاتهم الصيفية والاختلافات التي يواجهونها داخل بيوتهم لا تمنع العائلات من تسريب خبر تلك العودة للتباهي بين الجيران بأن أولادهم يدرسون في جامعات أجنبية!